رجلاً لقي عشرة رجال كانوا يتجادلون في أمر الصوفية فطفق الرجل يشرح لهم ما خفي عنهم من أمور الصوفية وأسرارهم وشروطهم وما إلى ذلك. فكأنما هي درس تعليمي لا قصة كما نفهم القصة في العصر الحديث. وضمن منثوره شيئاً من النظم المناسب للمقام. وفي مقامته الثانية (الأنطاكية) حدث عن مدينة إنطاكية وما فيها من مظاهر طبيعية جميلة، وقد لقي فيها وإليها، فجلس إليه، وأخذ الوالي يبثه شكواه من البغيظة الضاربة الرواق بين عجم المدينة وعربها. وخلل نثرها على عادته بأبيات عدة. ومن وصفه فيها قوله عن المدينة:(سورها منيع، وعاصيها مطيع. وأطيارها تحن إلى نغماتها الجوارح. وأنهارها مطردة وعيونها سوارح. ونسمها يبطل رائحة المسك السيق. وساكنها يزهي على الغصن الوريق. يصدأ بهوائها السلاح، وتجلى به القلوب والأرواح برية بحرية. سهلية جبلية. منثورها منثورها:
متكامل فيها السرور لمن بها ... يوماً أقام كما تكامل سورها
وخلت قلوب قصورها فاستضحكت ... إذ عاش شاكرها ومات كفورها. . . الخ
وأنت ترى أن هذه مقامة وصفية. وعلى هذا النسق تقريباً جرى في مقامتيه الأخريين (المنبجية) و (المشهدية). وله مقامة أخرى تعرف (بصفو الرحيق في وصف الحريق) بدأها بقوله (حدث غيث بن سحاب عن ندى بن بحر) واشتملت على وصف حريق شب في مدينة دمشق.
ومن كتاب المقامات صلاح الدين الصفدي (٧٥٤هـ) وله مقامة وصف حريق أيضاً. وبدو من سياق حديثه فيها أنه نفس الحريق الذي وصفه ابن الوردي في مقامته.
ولتقي الدين بن حجة الحموي (٨٣٧هـ) مقامة عارض بها المقامة الزورائية للحريري. وللشاب الظريف (٦٨٨هـ) مقامة وصف بها شاباً برح به الغرام. ولشرف الدين أسد المصري (٧٣٨هـ) مقامة فكاهية روي فيها حكاية أحد النحاة مع أحد الأساكفة. . .
ومن فرسان المقامات جلال الدين السيوطي (٩١١هـ) الذي ضرب في كل فن بسهم. وله عدد ضخم من المقامات فمنها (بلبل الروضة) وصف فيها جزيرة الروضة. والمقامة (الوردية) وهي قصة تمثيلية أبطالها الأزهار! فقد افترض الكاتب أن الأزهار اجتمعت عساكرها وعقدت مجلساً حافلاً للجدل والمناظرة لاختيار أحقها بالملك فصعد كل منها المنبر