قالت فاتنة:(عجباً لك يا صديقي! لست أعرف سبباً لترددك هذا الذي طال، وخوفك ذاك الذي سمج، وإشفاقك الذي لم تعد له علة؛ فها أنت ذا تعيش ملء القاهرة، وهاهم أولاد أخذان الشباب من حولك ما تزال قلوبهم عامرة بالشباب؛ ونفوسهم ممتلئة بالفتوة. وهاهي ملاعب أنسك، ومراتع هواك، يرقص فيها ماضيك ريان كما عهدته فينان كما حلمت به، فإلام تظل راكداً هكذا؟ وحتام تخفو عيناك وكل ما حولك صحو؟! أخشى أن يكون إشفاقك من الكتابة عني، وقد ملأت أذنيك شدوا، ومهجتك غناء، هو ما ترى من القطيعة الشاحبة التي قامت بين أئمة الأدب في هذا البلد، وقالات السوء التي يرسلها الأبالسة المغرضون لتعبس الجنة الباسمة، ويصمت الطير الصادح؛ وليكون نعيهم وحده هو المسموع في الآذان، المدوي في الأذهان، مهما يكن شأنه من الهوان. . . كلا يا صديقي. . . لا عليك من هذا أبداً، فأئمة الأدب في هذا البلد أعظم من أن تمزق وحدتهم الأقاويل، وأجل من أن تذهب بريحهم عصبة الأبالسة من مروجي الأكاذيب. . . يحب أن تكتب عني إذن وأنت آمن مطمئن، فقد بلوت من ألوان الأساطير وفنون القصص ما ينبغي أن يوقظ فيك جمالي، ويلفتك إلى سحري، وينبه فيك روعتي التي أبدعها خيال صاحبك الصناع الفنان. . . ولن يعفيك من الكتابة عني ما أرجف به المرجفون عقب أن تلهوا بقراءتي في سيارة أو في عرابة تزام، فلست من الهوان بحيث أقرأ هكذا، وبحيث يفرع القارئون مني على هذا النحو، فأنا قطعة أدبية خالدة، ولن يسأمني الناس مهما أكبو علي، ومهما أدمنوا تلاوتي. . . إنني أروع لوحات الفن في الأدب المصري الحديث. . . وأعيذك من أن تظن بي الظن، أو تأخذ علي اعتداداً بشخصي القوي، ولن أقول الضعيف تواضعاً، فإن عرفاني بقيمتي يباعد بيني وبين التواضع. . . والتواضع أكبر رذائل الأديب ما لم يكن مصدره الغرور، إذ يصبح فضيلة يجمل أن يتحلى بها ليريح الناس منه. . . أنت أذن تخشى شيئين. . . أولهما هذا الفتور الذي قام بين (صاحبي القصر المسحور) فباعد بينهما إلى حين، وجعل الكلام عنهما كهذا الشوك الذي ينبت في أعواد الورد، فيخيف الأيدي الناعمة من أن تمتد،