نشرت مجلة المكشوف البيروتية حديثاً جرى بينكم وبين جماعة من شبان العرب، على ظهر باخرة تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط، قلتم في خلال ذلك الحديث إنكم تنادون (بتوحيد برامج التعليم في جميع الأقطار العربية وتسهيل التبادل الثقافي بينها)، وترون (من المفيد أن يكون تعاوناً اقتصادياً، وحتى تحالفاً عسكرياً) بين تلك الأقطار؛ غير أنكم لا ترضون وحدة سياسية، سواء أكانت (بشكل إمبراطورية جامعة) أم على طراز (اتحاد مشابه للاتحاد الأمريكي أو السويسري). وعللتم آراءكم هذه بقولكم (إن الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين؛ وإنها ستبقى كذلك، بل يجب أن تبقى وتقوى).
قرأت هذه الآراء بدهشة غريبة، لأنني استبعدت صدورها منكم كل الاستبعاد، وقلت في نفسي:(لعل الكاتب نقلها على غير حقيقتها)، وأعدت قراءتها بإمعان، ولكني لمحت في عدة نقاط منها أسلوبكم المعروف، فقلت لعل الدكتور أراد أن يمتحن هؤلاء الشبان، ويتأكد من مبلغ إيمانهم بالقضية، ويسبر غور درسهم لوجوهها المختلفة: فالآراء التي أدلى بها ربما كانت من نوع الآراء الجدلية التي ترمي إلى حمل المخاطب على التعمق في التفكير. فوجدت نفسي تجاه هذه الملاحظات بين عاملين مختلفين: عامل يدفعني إلى الإسراع في مناقشة هذه الآراء لكي لا أترك مجالاً لزعزعة إيمان بعض الشبان بتأثير سلطتكم الأدبية السامية، وأسلوبكم الأخاذ. . . وعمل يدفعني إلى التريث في الأمر لكي أتأكد من صحة الحديث المعزو إليكم. تريثت لذلك مدة من الزمن. . ولما لم أطلع على تصحيح أو توضيح صدر منكم، رأيت من الواجب علي أن أقدم على المناقشة بدون أن أنتظر مدة أطول. . .
فإذا كان في الحديث الذي نسب إليكم شيء من البعد عن الواقع، فأرجو أن تعتبروا كلمتي هذه بمثابة رد على الآراء المسرودة في ذلك الحديث، بقطع النظر عن قائلها؛ وإذا كان فيه شيء من قصد المناقشة الجدلية - كما أسلفت - فأرجو أن تعتبروا هذه الأسطر بمثابة صفحة من صفحات تلك المناقشة الجدلية. . .