قلتم للشبان الذين تحدثتم إليهم:(إن المصري مصري قبل كل شيء، فهو لن يتنازل عن مصريته مهما تقلبت الظروف. . .)
فاسمحوا لي أن أسألكم: هل الوحدة العربية تتطلب من المصريين التنازل عن المصرية؟ أنا لا أتردد في الإجابة على هذا السؤال بالنفي، لأني أعتقد بأن دعوة المصريين إلى الاتحاد مع سائر الأقطار العربية لا تتضمن بوجه من الوجوه حثهم على التنازل عن (المصرية). إن دعاة الوحدة العربية لم يطلبوا ولن يطلبوا من المصريين - لا ضمناً ولا صراحةً - أن يتنازلوا عن مصريتهم، بل إنهم يطلبون إليهم أن يضيفوا إلى شعورهم المصري الخاص شعوراً عربياً عاماً، وأن يعملوا للعروبة بجانب ما يعملونه للمصرية. . فهل لديكم ما يبرهن على أن ذلك من نوع (طلب المحال)؟ وهل لديكم ما يدل عل أن العروبة والمصرية ضدان لا يجتمعان، وعنصران لا يمتزجان؟
وقد قلتم لمخاطبكم:(ولا تصدق ما يقوله بعض المصريين من أنهم يعملون للعروبة. . . فالفرعونية متأصلة في نفوسهم) ثم أضفتم إلى ذلك حكماً قاطعاً، فقلتم:(وستبقى كذلك. . .)
فهل تسمحون لي أن أستوضحكم ما تقصدونه من كلمة (الفرعونية)؟ هل تقصدون منها الأخذ بحضارة الفراعنة، أم الاعتزاز بثقافة الفراعنة، أم تقصدون منها بعث اللغة الفرعونية أو الآداب الفرعونية، أو الديانة الفرعونية، أو السياسة الفرعونية؟
أنا لا أستطيع أن أشك في أنكم لم تقصدوا منها الحضارة أبداً: لأنكم لستم - بدون ريب - ممن يقبلون لمصر ولغير مصر - حضارة في هذا العصر غير الحضارة العلمية الحالية. . . كما لا أستطيع أن أشك في أنكم لم تقصدوا من هذه الكلمة (الديانة الفرعونية) أيضاً. . .
هذا ومن جهة أخرى فإنني أجد في مناداتكم (بتوحيد برامج التعليم في جميع الأقطار العربية وتسهيل التبادل الثقافي بينها) دليلاً قاطعاً على أنكم لم تقصدوا منها الثقافة الفرعونية أو اللغة الفرعونية أيضاً.
فماذا تقصدون منها إذاً؟ السياسة؟ فهل تعتقدون بأن (السياسة الفرعونية) تتطلب (الاكتفاء بحدود مصر الحالية) فترفض (التوسع) بكل أنواعه، حتى ولو كان عن طريق (قبول انضمام) الأقطار العربية؟
إنكم أشرتم في حديثكم إلى الآثار الباقية من عهد الفراعنة بشكل يستوقف الأنظار، وأردتم