للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن تدعموا آرائكم بجلال تلك الآثار إذ قلتم:

(لا تطلبوا من مصر أن تتخلى عن مصريتها، وإلا كان معنى طلبكم: اهدمي يا مصر أبا الهول والأهرام، وتغاضي عن جميع الآثار التي تزين متاحفك ومتاحف العالم، وإنسي نفسك واتبعينا. . .)

يظهر من هذه التأويلات أنكم تودون أن تخلقوا للفكرة العربية خصوماً من الآثار القديمة، وأن تضعوا في سبيل تيار هذه الفكرة سدوداً من الرموس والأطلال. فهل فاتكم أن التعارض والتصادم لا يحدثان إلا بين الأشياء التي تسير على مستوى واحد، في عالم واحد؟ وأن الفكرة العربية التي تعمل في القرن العشرين - للأجيال القادمة - لا يمكن أن تتعارض مع آثار بقيت ميراثاً من ماض سحيق، يرجع إلى أكثر من خمسة آلاف من السنين؟

إن مصر قد تباعدت عن ديانة الفراعنة دون أن تهدم أبا الهول؛ وتخلت عن لغتها القديمة دون أن تقوض الأهرام؛ وجميع آثار الفراعنة التي زينت بها متاحف مصر ومتاحف العالم لم تُولَد نزوعاً للعودة إلى الديانة التي أوجدت تلك المآثر الخالدة، ولا حركة ترمي إلى بعث اللغة التي رافقتها خلال قرون طويلة، فهل من موجب لطلب هدم الأهرام وتناسي الآثار لأجل الوحدة العربية؟

إن الأهرام - مع جميع الآثار الفرعونية - لم تمنع مصر من الاتحاد مع سائر الأقطار العربية اتحاداً تاماً - في ميدان اللغة - فهل يمكن أن تحول دون اتحادها مع تلك الأقطار في ميدان السياسة أيضاً؟

كلا أيها الأستاذ، إن التيارات القوية العميقة التي جرفت حياة مصر إلى اتجاهات جديدة منذ عشرات القرون، والتي أخرجتها من ديانتها القديمة وأنستها لغتها الأصلية - بالرغم من وجود الأهرام وقيام أبي الهول - سوف لا تحتاج إلى هدم شيء من آثارها القديمة، لتجرفها نحو السياسة التي يؤمن بها دعاة الوحدة العربية، ولا سيما أن هذه السياسة ليست إلا نتيجة طبيعية للغة مصر الحالية ووضعها العام.

إن دعاة الوحدة العربية لم يقولوا ولن يقولوا لمصر: (إنسي نفسك) بل يقولون وسيقولون لها: (استزيدي من ثروة نفسك) بالعمل على توحيد أبناء لغتك. (إنهم لم يقولوا ولن يقولوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>