خرج من السوق خائباً مكتئباً، ملامحه عليها غبرة ترهقها قترة، تدل على ما يأكل نفسه من الهم القاتل، والحزن العميق، يحمل في إحدى يديه (قفة) فارغة لا شيء فيها، وفي الأخرى (سبحة) غليظة جداً، وهو يقول بصوت واضح مسموع:(هذا ما يريد لي فلان، وهذا ما يريد لي فلان. . .) وذكر ناساً بأسمائهم من رجال الإصلاح الإسلامي في الجزائر، ومضى يردد ما يقول إلى مسافة بعيدة من السوق
هو (شيخ) لإحدى الطرق الصوفية في هذه البلاد. قد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا. تراه فترى وجها كالحا مسنوناً، ولحية قذرة صفراء كان دخاناً كثيفاً لا يزال يتعهدها ويغشاها من حين إلى حين. كان يعتنق طريقة صوفية، فلما لم يجد فيها معاشا تحول عنها إلى طريقة أخرى يعيش فيها حميلة أحبابها ومعتنقيها، فلا يدع وليمة ولا جنازة لأحدهم إلا هرول إليها متعرضا لما قد يكون فيها من صدقات أو نفحات. ولقد مرد على هذا الأسلوب من التكسب فأتقنه وتفنن فيه، فهو يبث العيون والأرصاد يتنسمون له أخبار الأفراح والأتراح، ويُرسل في المدائن حاشرين يأتونه بالزوار والمريدين يرجون مغفرته ويلتمسون منه البركة والخير! ويرتكب هؤلاء الدعاة الذين يدعون الناس إليه ضروباً من الترغيب والترهيب، فينحلونه المناقب والصالحات، والخوارق والمعجزات! فيزعمون (أن من يطيع الشيخ فقد أطاع الله) وأن الرسول (ص) لا يفارق الشيخ طرفة عين، وأن من اتبع الشيخ فجزاؤهم عند ربهم جنات عَدْن يدخلونها، وأن من خالفه مأواهم النار وبئس المصير
وقفوا ذات يوم على فاكِهيّ وقالوا له: إن شيخنا يقرئك السلام ويقول لك يا بني إني أرى في المنام كأنك تتخبط في ضحضاح من النار وأنت تستغيث فلا تغاث حتى استغثت بي، وذكرتني باسمي فأخذت بيدك، وأنقذتك من الهلاك. وتعبير هذه الرؤيا هو أنك رجل قد غرق في ذنوبه وخطاياه، ولا خلاص لك إلا بأيدينا. . . ثم لا يزال هؤلاء بالرجل يزينون