للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إليه الشيخ، ويحثون على زيارته، حتى يقع في الفخ، ويزور الشيخ ويأخذ عنه (الوسيلة). وهنا يصير مريداً ممن يرزقون الشيخ، ويؤدون إليه كل ما هو في حاجة إليه من طعام وشراب ومن نقود ومتاع

ولقد مد الشيخ أحبولته مرة أخرى فاصطاد رجلا مخلصاً بسيطاً، طيب القلب. يقال له (علاّل)، وكان هذا عاملا مجداً يدر عليه عمله كسباً وفيراً، وخيراً كثيراً. وكان سمحاً كريماً، فكان يرزق الشيخ ويقوت عيال الشيخ، ويجزل له العطايا والهبات. فلم يكن يشتري لنفسه شيئاً إلا اشترى مثله للشيخ، ولا قضى لنفسه حاجة إلا قضى للشيخ حاجة مثلها، فإن اشترى لنفسه رطلا من البن أو العنب اشترى للشيخ من ذلك رطلا أو رطلين اثنين، أو فصل لنفسه عباءة فصل للشيخ عباءة أحسن منها وأغلى وهلم جرا

واتفق أن صاحباً لعلاّل قدم من الحج فأهدى إليه عمامة حجازية من الحرير الغالي، فأهداها بدوره إلى شيخه، وأن صاحباً له أخر قدم من فاس فأهدى إليه (جلاّبة) من القماش الرفيع الذي يلائم مرح الشباب، ولا يصلح للشيخ الفاني، وأراد الرجل أن يرتديها فتذكر الشيخ فاشترى له (جلاَّبة) تناسب الشيخوخة ووقارها بقيمة تفوق قيمة (جلابته) الأولى، وارتداها في يوم جمعة، وما هي إلا أن رآها الشيخ عليه حتى أرسل إليه من يحثونه على أن يهديها إليه، فانتزعها لفوره من على ظهره ووهبه إياها، فأرسل الشيخ بالعمامة و (الجلابة) إلى السوق فباعهما ببعض ثمنهما؛ وشهد (علال) صفقة البيع، وظن أنهما سرقتا من الشيخ فسأل الدلال عنهما فأخبره بالواقع، فكبر عليه أن تباع (هديته) وهو يسمع ويرى، فاشتراهما للمرة الثانية، وجعل يحدث نفسه ويقول:

ترى أبلغ من هواني على الشيخ أن يبيع ما أهديه إليه؟ وما هو مصير هدياتي) الأخرى؟ أم بلغ من هوان الشيخ علي نفسه أن يتاجر بما يهدي إليه الناس؟ وعلى أية حال فأنا لا أرضى لنفسي هذا المصير. وأحس الشيخ أن الرجل قد بدا يتنكر له ويجفوه، فخشي أن يفلت من يديه، ويولي عنه مدبراً. فعزم في نفسه أمراً، وعزم أن يلعب آخر دور في الرواية، وكان يعلم أن عقيلة علال تملك حلياً ومصوغا ومبلغاً من المال، فدبر للاستيلاء على ذلك حيلة من عمل الشيطان، فبلغ بها ما أراد. وذلك بأن أرسل إليها نساء ماكرات من اللائى قد أعدهن لمثل هذا الأمر، فقلن لها: إن سيدنا يقرئك السلام، ويقول لك يا بنيتي إني

<<  <  ج:
ص:  >  >>