أفضى الدكتور طه حسين بك إلى بعض الصحف العربية في سوريا بكلمة يعزو فيها قلّة التفات الأوساط الأدبية في مصر إلى الأدب السوري الحديث - بما فيه اللبناني - إلى عدم القيام (بواجب الدعاوة. . .) لهذا الأدب. ولا حاجة إلى البيان أن الذين ينبغي أن يقوموا بواجب هذه الدعاوة إنما هم أفراد الجالية السورية اللبنانية في مصر الشقيقة
وقد أثارتْ هذه الكلمة بعض الأقلام بالمعارضة وبادّعاء تعذّر القيام بمثل هذه الدعاوة لأسباب لا سبيل الآن إلى ذكرها. وأنا أوثر أن أنقل ميدان هذا الكلام - وما يستتبع - إلى هذه المجلة الغراء لأطلع إخواننا المصريين - في هذه الكلمة القصيرة - على بعض النواحي المؤثرة تأثيراً مباشراً في تكييف الحركة الأدبية في سوريا ولبنان
أم العُذر الذي انتحله الدكتور الفاضل - وهو (واجب الدعاوة. . .) - يبتغي به تبرير موقف الأدب المصري الحديث من أن يقال عنه إنه لا يأبه - أو على الأقل - لا يلتفت الالتفات المطلوب إلى تسجيل ظواهر الحركات الأدبية في بلادنا؛ هذا العذر، لا أظن أن الدكتور نفسه مطمئن إلى صحته، وإنما يكون أغضى - وأحسبه إغضاء متعمداً - عن حقيقة سأسجلها بعد حين على أدبنا - ولو كانت مُرَّةً مؤلمة -
من الوهن في التفكير أن يقال إن (الدعاوة) التي تقوم بها الجالية المصرية في بلادنا - إن كان ثمة جالية مصرية تقوم حقاً بالدعاوة - هي التي أضاءت لنا الأدب المصري الحديث، وعرّفتنا به، وحبّبتنا فيه، فإن الواقع لا يثبت من هذا شيئاً، إذ لم نر رجلاً مصريَّا في بلادنا يطرسُ أية كلمة في نقد كتاب مصري صدر في مصر (والنقد ينتظم حسناته وسيئاته)، ولم نرَ رجلاً مصريَّا يعرض في مكاتبنا كتباً صدرت في بلاده دون أن يطلبها منا طالب؛ اللهم إلا أن يكون مقتنعاً أنها لن ترد، وأنها ستحوز الرضى، وستنفق سوقها، لما لها من أهمية عظمى وحاجة ماسة، وطلب ملحاح في بلادنا السورية اللبنانية، فإذ ذاك يبعث بها فيعرضها، وليس هذا من الدعاوة في شيء، إذ أن هذه المؤلفات لا تفتقر إلى مثل هذه الدعاوة.