للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين العقاد والرافعي]

(سارة) وغزل العقاد

للأستاذ سيد قطب

- ١٣ -

حديثي اليوم عن (سارة) وعن غزل العقاد، فما يصح - في الحقيقة - أن يكون إلى جانب الفن الممتاز، والحياة الدافقة، والعبقرية المرموقة، مجال للأحاديث التافهة، والجدال العقيم، والطبائع المغلقة. نحن هنا في حرم مقدس، فلا يليق تدنيسه بالأهاذير!

ولقد كنت أخذت بعد إجمال الرأي في مكانة سارة من الأدب، أشخص بعض خصائصها. وسأتمم اليوم ما بدأت؛ إلا أن هناك ملاحظة أحب أن أعرضها. فالقارئ لسارة، المتتبع لمواقفها وحالاتها النفسية، التي تجسم حتى تصبح شخوصاً ملموسة، يجد كثيراً من الحالات والشخوص التي تشابهها في قصائد العقاد الغزلية؛ وقد مثلت لهذا في الكلمة الماضية بقطعة (الحان المسجد). وليس هذا عجيباً، فالعقاد هو خالق هذه الشخوص هنا وهناك، ولكنه جدير أن يلفت النظر بدلالته على أن شخصيتي (همام وسارة) عميقتان في نفس الؤلف، وأنه استوعبهما في نفسه وحسه قبل أن يبرزهما على الورق (قصة) ومن هنا كانت حياتها، وكان امتيازها. وسيرى القارئ أمثلة أخرى للتوافق أو التشابه بين كثير من الشخوص النفسية في القصة وفي الديوان

من الخصائص الفريدة في (سارة) تلك الملاحظة الدائبة على تسجيل الحالات النفسية وإبرازها وتحليلها. فما من خطرة خاطرة، أو خلجة عابرة، إلا وهي واضحة مرسومة، تبلغ في وضوحها حد التشخيص. وفي هذا القول ما يشمل الخاصية الأولى التي أشرت إليها في الكلمة الفائتة من التفات همام إلى (كل ذرة في نفس حبيبته وكل لحظة من لحظات حبه) ولكنني أعني هنا أكثر مما عنيت هناك، أعني الحالات النفسية التي أحس بها همام، أو أحستها سارة، أو أحساها معاً في مدى حبهما كله. فمن هذه الحالات تبرز شخوص شتى، تساوي أحفل القصص بالشخوص الحقيقية التي تعيش في الحياة. والواقع أن (الشخوص النفسية) كما أسميها في (سارة) أعمق، والالتفات إليها أصعب، لأنها تعيش

<<  <  ج:
ص:  >  >>