فينفس من يرصد نفسه لملاحظتها وتسجيلها! فهي في حاجة إلى طاقة فنية كبيرة، وإلى ترتيب عقلي محكم، لكشفها وإبرازها
وكل شخص من تلك الشخوص لا يقل أصالة وفنية عن سواه، ولكنا نختار:
بعد قطيعة همام لسارة لقيته مصادفة، ودار بينهما حوار، واتفقا على أن تزوره في الساعة الخامسة موعدها القديم للقاء. ولكن هماماً كان قد ذاق قبل القطيعة ما ذاق، ثم آوى إلى ركن شديد واعتصم بالفراق والسلوان الكظيم. فلما كان هذا اللقاء المفاجئ، عادت إليه عقابيل الداء، ولم يعد مصمماً على انتظارها ولا مصمما على لقائها، و (العقاد) يصفه في يوم الموعد:
(ثم استيقظ في الصباح وهو يسأل نفسه كأنما يسأل مخلوقاً غريباً يجهل ما عنده من نية وشعور؟
(أتنوي أن تنتظرها في الموعد)
(فما هو إلا أن وضح السؤال في خاطره، حتى شعر بأنه سؤال غريب، يدل على ما وراءه، وحتى بدت له الدهشة من أن تكون هناك نية معقولة غير الانتظار!
(وهنا دارت في سريرة هذا الرجل - هذا الرجل الواحد - مناقشة عنيفة طويلة كأعنف ما تدور المناقشة بين رجلين مختلفين كلاهما مصر على عزمه، وكلاهما يحاول جهده أن يخدع الآخر ويستميله إلى رأيه، وكلاهما يبذل كل ما هو قادر عليه في هذا الحوار من أساليب الإقناع والأغراء والرياء والتصريح
- كيف لا تنتظرها؟ أتعطي سيدة موعداً ولا تنتظرها فيه؟ أهذا يليق برجل؟
- ولكنها ليست سيدة كسائر السيدات، ولا زائرة من زائرات المجالس العامة اللواتي تقع بيننا وبينهن هذه التكاليف إن هذه المجاملات أو هذه القيود لا حساب لها في العلاقات التي انطلقت من جميع القيود
- ولكن مم عساك أن تخاف؟ أنتظرها وقل لها: إنك لا تريد أن تراها بعد هذا الموعد!
- عجباً. . . أتجهل ما أخافه؟ أتجهل تلك الآلام التي لا حيلة فيها لمخلوق، ولا تزال تبتدئ من حيث تنتهي، وتنتهي من حيث تبتدأ لأنها تبتدئ من الشكوك، وليس للشكوك قرار حاسم ولا مقطع بيقين؟ أتجهل تلك الأشباح اللئيمة التي تطل عليك في أطيب أوقاتك