- لكن علام كل هذه الشكوك التي ليس لها أول ولا آخر. . . اصرفها عنك مرة واحدة، وافرض أسوأ الفروض، وقدر أنها تخونك، وأنك تلهو بها في ساعات فراغك، ولا يعنيك من شأنها بعد ذلك إخلاص ولا خداع
- أأنت مخلص فيما تقول؟ وكيف تنقلب هذه المرأة التي كانت كل نساء الأرض عندي، وكل ما يخفق له قلبي، فتصبح بين مساء وصباح، وهى لهو ساعة، ومتعة فراغ؟ أهذا خداع يجوز على إنسان؟ أو تضمن إذا أنا اتخذتها لهواً ومتاعاً ألا يتمكن الهو وبطيب المتاع، وأننا لا ننكفئ بعد أيام أو بعد أسابيع إلى استغراقنا القديم، وشكوكنا القديمة، وعذابنا الأليم؟ لا، لا هذا مجال باطل، واستدراج لا يستر ماوراءه، وتزوير لا أرضاه
- (لكن الفتاة مليحة مع ذاك. . تصور بضاضتها وهى جالسة إلى جانبك في المركبة، وأنفاسها وهى تهب على خدك فتسري في جميع أوصالك، وقبلتها وهى ترتعش على شفتيك، وحلاوتها وقد زادها النحول في هذه الأشهر حلاوة على حلاوة، ونحولها نفسه وما ينبئ عنه ويكشفه لك من المودة والحنين، وتصور ذلك كله بين يديك في مدى بضع ساعات، وأنت مع هذا تفكر. . تفكر في ماذا؟ في نبذ هذه النعمة التي تسعى إليك، وفي الخوف والجبن والفرار!
- (هذا حق كله. إن الفتاة لمليحة ولا نكران. . ولكن!
- (ولكن ماذا يا أخي. .! انتظرها واله بها، ولا تدعها لغيرك ينال منها ما لا تنال. . . ولا تستضعف عزيمتك هذا الاستضعاف المهين، وأنت رجل ذو عزيمة ومضاء، فإذا عاودتك الشكوك فأنت قادر على قطع العلاقة بينك وبينها كما قطعتها من قبل، وإلا فأنت رابح ما استرجعت من متعة وسرور.
- (عزيمتي؟ وأين هي عزيمتي إن كانت لا تنجدني في هذا النزاع العنيف؟
- (إنها تنجدك في كل حين، ولكنك أنت لا تريدها الآن. . . لا تريد عزيمة الجفاء والقطيعة، ومتى أردتها غدا فهي حاضرة لديك، وهى في كل ساعة طوع يديك. . ومع هذا ألا يشوقك أن تستمع إلى حديثها عن أيام القطيعة بينكما؟ ألا يجوز أن تفسر لك بعض الغوامض، وتريك من البواطن ما ينقض الظواهر، وتصف لك من حالها في غيابها عنك