(وتعاقبت الساعات ساعة بعد ساعة في هذا الحوار الحثيث ولا قرار
(وتناول صاحبنا غداءه ولا قرار
(وجاءت الساعة الرابعة ولا قرار
(نعم لا قرار فيما يشعر به صاحبنا، أو صاحبانا المتحاوران، على أصح التعبيرين. غير أن الذي حدث بعد ذلك يدل دلالة لاشك فيها على أن الإنسان يقرر ما ينويه وهو لا يشعر ولا يعترف بشعوره، بل يدل على أن صاحبينا المتحاورين لم ينفردا بالميدان فيما شجر بينهما من عراك عنيف، وإنما كان معهما ثالث لا يدريان به، وهما ماضيان في الإقناع والإنكار.
(ففي الساعة الرابعة وبضع دقائق - والحوار على أشده بغير قرار - وجد صاحبنا أنه يلبس ملابس الخروج، ويفتح باب حجرته، وينحدر على الدرج، إلى حيث لا يعلم إلا أنه خارج من المنزل وكفى. ومضى في طريقه مهرولا كمن يمضي إلى غاية معلومة يخشى أن يفوته لحاقها، وركب سيارة لم يعرف إلى أين تحمله إلا بعد أن استقر فيها، واستطاع أن يمكث حيث ذهب ساعات ثلاثا لا ساعة واحدة ولا نصف ساعة كما كان يتمنى وهو يعالج أن ينجو من الموعد المحدود!
(ثم ساوره القلق، ودلف إلى منزله بالسرعة التي فارقه بها، واستحالت كل حيرته قبل الخروج إلى حيرة أخرى، أو شوق
آخر: وهو أن يعرف ما حدث في غيابه بجميع تفصيلاته: هل حضرت في الساعة الخامسة أو حضرت قبلها أو بعدها؟ وماذا قالت حين علمت بخروجه؟ وما بدا على وجهها وهى تصدم بهذه (المقابلة)؟ وإذا كانت لم تحضر فما الذي عاقها عن موعدها؟ ولماذا ضربت ذلك الموعد باختيارها؟ هل ضربته وهى تنوي أن تخلفه من اللحظة الأولى، أو طرأ الحائل بعد ذلك على الرغم منها؟)
أما الذي حدث بعد هذا، ففي القصة نبؤه والى هنا يستطيع القارئ أن يدرك الصدق والبراعة والامتياز في تصوير هذه الشخوص النفسية. ومتى علمنا أن القصة حافلة بها، أدركنا قيمتها الفنية، وقيمتها كذلك في الدراسات النفسية العالية.