قالت لي نفسي بعد شهودها معركة للنقد بين جماعة من أصدقائي لحق منها مؤسسين عظيمين من مؤسسي الأدب الحديث جملة من النعوت أذكر أنها لم تكن لتلحقهما لو مضيا من الحياة ولم يتركها بيانهما العظيم:
(حطم قلمك! وأغلق أقفالي عليّ، واتركني أمضي من الحياة من غير صوت ولا ذيول يتعلق بها متجن وعابث. ودعك من أسطورة الخلود. . . تلك التي تفتنكم وتجركم إلى النزاع وإضافة تعبيرات جديدة إلى سجل الشتائم المهذبة الخالدة المذاعة وقل في تلك الأسطورة ما قال المازني الأديب الساخر منذ سنوات في صحيفة البلاغ: (طُزْ!)
فقلت لها يا نفسي: ألم تعلمي في سنن الحياة أن لكل شيء وجهين: وجه جمال، ووجه قبح؟. ألم تحفظي قول القائل:
نقول هذا مجاج النحل تمدحه=وإن تذم فقل قيء الزنابير
(والعظيم دائماً يحظى بشرف المبالغة من أنصاره وأعدائه) وتاريخ الآداب والفنون والعلوم مملوء بالمعارك العنيفة بين المنتج والناقد وأنصارهما. ولم يفد الأدب والعلم بقدر ما أفادا من النقد على شريطة الإنصاف فيه والبعد عن المهاترة وتسقط العيوب وإدخال النوازع الشخصية في موازينه
غير أن المنتج غيور على إنتاجه، فتارة يجهد نفسه في التجويد والتهذيب والتنقيح قبل أن يعرض نتاجه كما يفعل زهير في حولياته. وتارة لا يلقي باله إلى كلام النقاد ولا يحفل رضاهم أو سخطهم ما دام هو راضياً عن نفسه، كما قال الفرزدق لناقد احتار في إعراب كلمة من شعره (عليَّ أن أقول وعليكم أن تعربوا) وكما قال المتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جراها ويختصم