كانت حياة شلر حياة أدبية بكل معنى الكلمة، حياة شخص عاش قصد التأمل، وكان مرشده في هذا المسعى لا يتعدى المثل الأعلى، وقد وجد في مثل هذه الحياة سعادته التي كان يرنو إليها. وقد امتازت هذه الحياة بالبساطة الفريدة كما اتصف بالابتعاد عن امتهان ما يتعيش به، وقد نما مقته للعمل الآلي ولم يبال بنتائجه جنباً لجنب مع نموه الروحي سنة بعد أخرى. لم يحتل شلر منصباً معينا اللهم إلا منصب الأستاذية في الجامعة، ولم يرغب في التقدم المادي ولم يكن لديه مال يذكر، ولم يظهر - طيلة حياته - عدم رضائه عن هذه الأوضاع.
وبالرغم من الآلام الجثمانية والأمراض المستمرة التي احتاطت به أن انشراحه لم يكن يفارقه وكانت الخمس عشرة سنة الأخيرة من حياته هي أحسن سني حياته، لأنها كانت أنقاها وأصفاها وأكثرها إنتاجا، فحياته كانت تشبه حياة الرهبان مع اختلاف بسيط في طراز المعيشة والمحيط، وإذا نحن عرضنا الإيمان الكاثوليكي بمثل الفن الأعلى، والقوانين الكنيسية بالقوانين الأدبية والجمالية فسيؤدي ذلك إلى اعتبار حياته أقرب ما تكون بحياة الدير، ومع أنه لم يرتبط بعهود الرهبنة الثلاثة إلا أنه ارتبط بعهود أخرى أرفع شأنا وأعلى قدرا وأثقل وطأة، وقد تحمل عناء شديدا في تنفيذها والتقيد بها والالتزام بملتزماتها.
وقد كانت هذه العهود - على شدة ثقلها - شغله الشاغل ومبعث سعادته الدائمة، فبلاد من أن يحصر نفسه في رواق الكنيسة الصخري، نراه يحصر نفسه في أروقة العقل، فاصلا بذلك نفسه من الأمور السطحية ومغرقا نفسه فيما يمكن أن ندعوه بالأمور الأهلية، فكلامه وأعماله وتأملاته وتنزهاته وكل ماله علاقة بحياته اليومية تتجه نحو تلك الوجهة. . . فكما أن مرحلة اتخاذ الرجل الديني للعهود المقدسة هي أهم مرحلة في حياته. . كذلك الحال مع شلر فيما يخض عهوده الأدبية، وبهذا لعمل يمكنه أن يتخلص من مشاغل العالم المحيرة