تخرج الرسالة اليوم إلى الناس في (شم النسيم)؛ وشم النسيم في مصر عيد اكتمال الربيع، يخرج الناس من دورهم فيه إلى الطبيعة السافرة المجلوة، في العراء الكاسي بأفنان الزهر، وفي الهواء الناسم بأنفاس الرياحين، يشهدون افتضاح سر الحياة في الأرض، وانفتاح باب الجنة على الروض، وانتشار جمال الله في الكون، وافترار الدهر العابس عن بسمات البشر تفيض في العيون والصدور، وتشرق على الحقول والدور، وتهيؤ القرب بين الله والإنسان والطبيعة
لشد ما تفعل بالنفوس مشاهد الحياة وذكرى الحرية! في هذا اليوم
يحتفل المصريون في (شم النسيم) بعودة الروح إلى الدنيا، وهبة
الطبيعة من مرقد الموت؛ وبالأمس كان عيد الفصح المسيحي، احتفل
فيه نصارى الشرق، كما احتفل في مثله من قبله نصارى الغرب،
برجعة الناسوت وقيامة يسوع؛ ومنذ أيام كان عيد الفصح اليهودي،
احتفل فيه بنو إسرائيل بخروجهم من ظلم الفراعين، وعودة الحرية بهم
إلى أرض فلسطين! فلله هذا الفصل الجميل كيف يعود فيه الخلق،
ويرجع معه الشباب، وتحيا به الحرية، ويسبح منه الوجود في فيض
من الشعور القدسي يوقظ في الإنسان أنه حي، وفي الحي أنه حر، وفي
الحر أنه جميل، وفي الجميل أنه صالح، وفي الصالح أنه خليق
بملكوت الله وخلافة الأرض
تباركت يا مبدع الربيع، ومصور الجمال، ومعيد الخلق! هذا النبل يتنفس بالحياة ماؤه فما لأنفسنا تموت؟ وهذا الوادي يتفجر بالخصب ثراه فما لآمالنا تذوي؟ وهذا الربيع يرف بالحسن نسيمه فما لأخلاقنا تسوء وتقبح؟ ألسنا جزءاً من الطبيعة نتجدد كما تتجدد، وندور على قطب الحياة كما تدور، ونجري على سنن الكون كما تجري؟ إذن فلماذا يعود إبريل في كل عام فيرد إلى الشجر حلاه، والى البلبل أغاريده، وإلى العش زياطه، والى الحيوان