نشاطه، وإلى العالم كله بهاءه ورونقه. ونلقاه نحن في كل موعد إبان وروده، فلا نجد عنده وا أسفاه ريشة لجناح، ولا نفحة لأمل، ولا جدة لدارس
هكذا قضى الله أن يكون الربيع مستأنف القوة والفتوة والرجاء لكل حي، ومسترجع الذكر الممصة، والأطياف الحزينة لابن آدم! فهذه الشجرة التي تراها فينانة الأفرع ريا الأماليد طالما ورف ظلها السجسج في هذا الأوان على صبي ناعم وهوى وليد! كانت عشاً لطائرين بسط الشباب لهما في الجناح، وفسح الحب لهما في الجو، فيطيران ما شاء الهوى أن يطيرا، ثم يأويان إليها، ويغردان عليها، حتى تقوض العش ونسل الجناح ويبست الحنجرة! وها هي ذي الشجرة عراها الخريف عشرين مرة، وكساها الربيع عشرين مرة، ولكن ذاوي الشبيبة لن ينضر، وماضي الحبيبة لن يعود!!
وهذا المرج الذي تراه موشي البرود منضور الجنبات، كان في عام من الأعوام مسرحاً لمشهد من مشاهد الصبابة! انتظمت به عقود الحب، وأنثرت فيه حبات القلب، وتبددت عليه خطوات السعادة.
ثم تصوح المرج وعاد فاخضوضر وأزهر، ولكن مضاجع الهوى لن تمهد، وذواهب الخطى لن تؤوب!!
وهذا الجدول الرقراق الذي تسمع هسيسه فوق الحصى وتحت الصفصاف، كان في ربيع من الأربعة مرآة لوجهين حبيبين قرءا سراريهما في صفائه، ومزجا حديثيهما بخرير مائه، ثم جف مجراه وما لبث أن فاض، وانقطع حديثه ثم عاد فاستفاض، ولكن الوجهين لن يعود بينهما لقاء، والحديثين لن يكون لانتهائهما ابتداء!
وهكذا يجد الإنسان وحده في كل منظر من مناظر الأرض، ومظهر من مظاهر الربيع، أثراً بعد عين، ودواراً بعد نشوة، وبلي بعد جدة، وذكرى بعد أمل!!
على أن للربيع يداً على النهضة المصرية لا تكفرها له القلوب ما تجدد على الدهر عيده: تلك هي رجعة الروح فيه إلى حياتنا الاقتصادية، وما هذه الروح الراجعة إلا بنك مصر، بثها الله في نفحات الحلد من أوائل مايو، فنضرت من حياتنا ما ذوى، وأقامت من بنائنا ما هوى، واتحدت بطبيعة الزمن الموزون، وحركة الفلك المنتظم، فهي تتقدم ولا تتأخر، وتجري ولا تتعثر، وتطلب الغاية ولا تحيد