كان في فندق القرية ضيوف كثيرون لا أعرف معظمهم، وانقضى النهار وجانب من الليل ونحن في هزج وضوضاء، فلما بلغت الساعة الثانية بعد منتصف الليل بدأنا نفكر في النوم فانصرف من انصرف وبقى في الفندق ثمانية. ولم يكن خالياً من غرفة غير أربع، فقالت لي صاحبة الفندق: إن هذا الضيف سيكون شريكاً لك في غرفتك واسمه (ماكسيم سيمو نوفتش) وأشارت إلى رجل قصير القامة ضئيل الجسم فقلت: لا بأس وإن كنت أوثر أن تكون لي غرفة وحدي.
تقدم نحوي سيمون وقال: أترى مانعاً من مشاركتي إياك؟. . .
فقلت: كلا وماذا عسى أن يكون المانع؟. فقال إنني قليل الكلام وأخشى أن يكون من عاداتك قبل النوم أن تتحدث فلا تسر برفيق صامت مثلي.
قلت: وأنا أيضاً أحب الصمت. فقال: إذن فلن يؤذيك صمتي الطويل.
ودخلنا غرفة النوم فقال: في الناس من لا يستطيعون الصبر على صاحب صامت، ولذلك سألتك حين رأيتك هل تحب الكلام فإن كثيرين ممن عرفوني أبغضوني لأنني قلما أتكلم.
ابتسمت وقلت له: لا يشغل بالك هذا الخاطر. فقال: شكراً لك. وخلع إحدى حذاءيه وأمسكها بيده. ثم أطرق لحظة وقال: لقد حدثت لي حوادث بسبب الصمت أذكر لك منها: أنني سكنت في عهد شبابي في غرفة واحدة مع صديق لي اسمه أورلوف وكان ينقضي اليوم واليومان وأنا صامت؛ فتضجر وصار يسخر مني ويتهمني بأني سيئ الضمير، وسألني: هل أقسمت لا أتكلم؟ فقلت: كلا. فقال: إذن تكلم. فقلت: عن أي شيء؟.
وانقضى يومان وأنا صامت، فأمسك زجاجة وقال: تكلم وإلا ضربتك بها في رأسك.
قلت: إن ذلك لن يكون جميلاً منك لو فعلته.
ومضت ثلاثة أيام ولم أتكلم. ودخلنا نبدل ثيابنا كما نفعل الآن فخلع حذاءه ورماني به