وقال: أنت كالميت لا تنطق ولا تتحرك، وأن الحياة معك كالحياة بين المقابر؛ فسأترك لك الغرفة غداً. هذا ما قاله ولكن هل تعرف ماذا فعل؟
قلت: كلا.
فضحك سيمون واستمر يقول: والله لقد خرج. . . خرج من الغرفة ولم يعد إليها وقد كان في حالة عصبية. . . ولكن هل تعرف أن فتاة غضة الشباب موفورة الصحة تنتابها هذه الحالة؟ لقد كانت لي خطيبة أحبها وكانت تحبني وقالت إنها أحبتني لأني رجل جد وعمل ولأنني مفكر غير ثرثار. لقد قالت ذلك في أول عهدي بها ولكن لما قدم العهد بيننا سألتني لماذا أنا كثير الصمت؟ فقلت ولماذا أتكلم؟ فقالت أليس لديك ما تقول؟ قل ما فعلته اليوم أو ما رأيته. فقلت لها باختصار لقد كنت في مكتبي ثم تغديت وجئت لزيارتك. فقالت: إنها تخافني لأني قليل الكلام فقلت: هذه طريقتي فأحبيني كما أنا. . .
وبعد أيام زرتها فوجدت معها شاباً كثير الكلام، فظل يحادثها بغير انقطاع، وكان كل حديثه تافهاً، وإنني لأعجب له كيف كان يواتيه هذا الكلام. لقد كان يسألها هل تعرف الرقص، ثم يقص عليها خبراً رآه ويسألها عن معنى إهدائها إليه وردة صفراء. . . كلام كثير لا أعرف من أين يخلقه وهل لإهداء وردة صفراء أي معنى؟ وكانت تصغي إليه. . . إلى أحاديثه التافهة. . . إلى أسئلته. . . وكانت تجيبه. . . وكنت أراهما ولا أتكلم. ثم أخذا يتهامسان ويبتسمان وهما ينظران إلي. وبقيت صامتاً ثم تركت لهما المكان. . . وبعد أيام زرتها فجاء هذا الشاب وقال لي: ما الذي تفعله هنا! اذهب وإلا قتلتك فقلت: جئت لأزور ماريا بتروفنا فقال: اذهب أيها الوغد.
وأردت إقناعه بأنه مخطئ ولكني رأيت الفتاة تضحك وتقول: اذهب فإنني لا أحبك لأنك قليل الكلام! آه ما أحمق هذه الفتاة!
لما بلغ سيمون هذا الحد من حديثه كنت شعرت بحاجة شديدة للنوم، فابتسمت وقلت: قصة جميلة! أسعدت مساء.
فقال: سعد مساؤك وطاب نومك. إن الرجل خير من النساء، فهم يزنون الأمور بميزان المنطق، وأما النساء فهن غاية في الغرابة. إنني أعترف لك بأنني أحببت امرأة متزوجة وأحبتني في أول الأمر، ولكنها بعد ثلاثة أيام فقط زهدت فيَّ واحتقرتني وقالت: لقد قبَّلتُ