هل أستطيع أن أحدِّث القارئ مرةً عن بعض مكاره النقد الأدبي؟
ليتني أعرف من أغروني بسلوك هذا الطريق المحفوف بالمخاطر والمعاطب والحتوف!
كنت تبت ونجاني الله من مهلكات هذا الطريق الوعر الشائك، فكيف رجعت إليه بعد أن عرفت وجه الخلاص؟
كان الأستاذ أحمد أمين أحد الأصدقاء الذين رأيت أن أتجنب الوقوف في طريقهم مهما كانت الأحوال، وكانت الحجة بيني وبين نفسي أن هذا الرجل رقيق الإحساس، أو ضعيف الأعصاب، فلا يجوز أن أعرض له بإيذاء.
وما زلت أذكر ما وقع في سنة ١٩٣٥
كنت يومئذ مدرساً بكلية الآداب، وأخرج الأستاذ أحمد أمين الجزء الثالث من ضحى الإسلام، وقد سرق من الأستاذ إبراهيم مصطفى مسألة متصلة بتاريخ النحو وسرق مني مسألة متصلة بتاريخ التشريع الإسلامي، فصاح إبراهيم: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجةً ولي نعجةٌ واحدة فكيف يسرقها مني؟ إنه لطمّاع!
جلست أنا وإبراهيم نتشاكى في غرفة أساتذة اللغة العربية، وانتقلنا من التشاكي إلى التباكي، فهتفتُ: سأنتقم لي ولك يا إبراهيم!
فقال: يعزّ عليّ أن يَجرح الأستاذ أحمد أمين بسببي، وهو صديق قديم، ولم ينهب مني شيئاً قبل هذه المرة، وأنت يا صديقي قد أوغلت في معاداة طه حسين فلا تضف إليها معاداة أحمد أمين!
وشاءت المقادير أن أقص هذه القصة على بعض أصدقائي في بغداد سنة ١٩٣٨ فكان من أثر ذلك أن يوجَّه إليَّ سؤالٌ في جريدة (الكلام) عن بيان ما سرق مني أحمد أمين.
ورأيت أن أعتصم بالصمت فلا أجيب: لأني كنت نشرت قبل ذلك كلمة أثنيت بها على جهود أحمد أمين في جريدة (الهدف) ولأني كنت أستقبح اغتياب أبناء وطني في جرائد بغداد، فقد كان أدباء لبنان يسمونني سفير العروبة المصرية في العراق.