ومنذ أشهر نشر الأستاذ أحمد أمين مقالته الأولى فيما سمّاه جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي فلم تعجبني: لأني رأيتها من الحديث المعاد، ثم لقيني مصادفةً في (المترو) بعد ظهور مقالته الثانية فسألني عما أراه في الأفكار التي أودعها مقالتيه، فقلت له: لم يعجبني غير نقد الشاهد الذي أوردته من كلام ابن قتيبة، أما سائر أفكارك فتحتاج إلى تحقيق، فقال: أنا دعوت القراء إلى مناقشة تلك الأفكار، وأنا أرحِّب بكل ما يَرِد إلي من تصحيح.
فهل كان يدعوني إلى أن اساجله الحديث؟
كانت الصداقة بيني وبين الأستاذ أحمد أمين قد بلغت أقصى حدود المتانة والصدق، وما كان ينتظر أن يرى مني غير ما يحبّ، وكنت والله خليقاً بالتجاوز عن سيئاته لو لم يُسرف في الإساءة إلى ماضي اللغة العربية في وقت يحرص فيه العرب على تفهيم أبنائهم أن أجدادهم كانوا من أصحاب الرفيعة في العلوم والآداب والفنون، وأنهم كانوا في ماضيهم من أقطاب الزمان.
وكذلك وقعت الواقعة وكان ما عرفه القراء من تمزيق الأوهام التي اعتز بها ذلك الصديق.
ولكن ما الواجب لهذا التمهيد في مطلع المقال الثاني والعشرين؟
أنا أريد أن يعرف القارئ أني أشعر بالضجر حين أثبت في مقال اليوم أن أحمد أمين سرق بعض آرائي، بعد أن أثبتُّ ما سرق من الدكتور أحمد ضيف والدكتور طه حسين، وما كان يهمني أن ينص على ما سرق مني، ولكن اعتزازه بآرائه (المبتكَرة) أوجب الحدّ من جرأته العاتية في نهب تلك (المبتكرات).
وأدخل في صميم الموضوع فأقول:
اهتم الأستاذ أحمد أمين بالنص على أن الشعر العربي كان في أغلب أحواله أدب معدة لا أدب روح، وحجته في ذلك أن التكسب بالشعر كان عادةً غالبةً على أكثر الشعراء، وقد طنطن بهذه المسألة وأخذ يعيدها في كل مكان حتى صحّ للأستاذ محمد العشماوي بك أن يواجهني بهذه العبارة:
(كيف تعيب على الأستاذ أحمد أمين أن يقول إن شعراء العرب كانوا يتجرون بأشعارهم، وهو قول صحيح)؟