(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية
والخيال. . .).
للأستاذ محمود الخفيف
في ميدان السياسة:
وعاب خصوم ملتن عليه قبوله منصبا في حكومة مغتصب جمع السلطة كلها في يده، وقالوا كيف يفعل هذا نصير للحرية، واستخرجوا من ذلك أن دفاعه عن الحرية لم يكن إلا زعما فحسب؛ بل وذهبوا إلى أكثر من هذا فرموه بالتبجح أو بالغفلة إذ يحل لنفسه من التعصب ما يحرم مثله على غيره فهو في منصبه يرد على مخالفي الحكومة، ويعنفهم ويسخر من آرائهم، وماذا يكون التعصب إن لم يكن فعله هذا تعصبا؟ ويزيدون على هذا انه إن جاز ذلك من ذي جهالة ضيق الأفق فهو لا يليق من رجل يزعم انه يتحلى بالأدب وينتسب إلى الفن. . .
وهذا كلام يشبه بادي الرأي أن يكون حقا، ولكنه لا يلبث عند رده إلى الواقع والاعتبار في أحكامه أن تتزايل عنه شبهة الحق؛ فأما عن التعصب في ذاته عيبا، بل إن التعصب للرأي محمدة ما دام يؤمن المرء بما يقول، ويشعر انه يدافع عن حق، والمعول هنا على نيته لا على خطئه أو صوابه، فإن لم يتبين حقيقة ما ينتوى فمدار الحكم على القضية المتنازع فيها، ويستحيل أن يخفى وجه الحق في قضية يتناولها متخاصمان يبذل كلاهما أقصى جهده في إثبات ما يحاول الأخر نفيه، أو نفي ما يعمل خصمه على إثباته. طالما إن الوقائع غير خافية، وكان الأمر أمر اعتبار وتدبر ورد إلى قواعد مقررة؛ فإن جهل الخصمان بعض الوقائع أو جهلاها كلها انتفى التدليس عنهما جميعا، وان غابت عن أحدهما كان الثاني هو المدلس، وان لم يمكن اتهامه بالتعصب حتى يتبين تدليسه؛ وإنما يكون التعصب مذمة إذا أصر المرء على رأيه وهو يعلم كما يعلم خصمه انه باطل. أو إذا تبين له وجه الحق فكبر عليه أن يرجع أليه وتمادى فيما انساق فيه أول الأمر بجهالة.