وكان ملتن يؤمن أن حكومة كرمول تنصر الحق والحرية فالدفاع عنها دفاع عنهما، ولا عبرة عنده بشكل الحكومة الاستبدادي، وقد تحقق له ما كن يتمناه من نتيجة، وطالما كان يؤمن ملتن دون أن يعميه غرض خاص بعدالة كرمول، وبعده عن المطامع الذاتية، وإباحته الحرية للناس فليس يعيبه أن يتعصب له، وإنما يلحقه العيب إذا تبين له تحرف كرمول عن الصواب في أمر وتحيزه لرأيه وظل على ولائه له؛ وما فعل ملتن شيئا من ذلك. بل لقد عارض كرمول، وأنكر من تصرفاته ما سيأتي بيانه في موضعه. . .
واتخذ ملتن أهبته للدفاع عن الحكومة في كل موقف تحتاج فيه إلى الدفاع، وكانت أول خطوة له في هذا المضمار الطويل ذي المسالك الوعرة ما كتبه بعنوان (ملاحظات) في صدد صلح كِلْكِنِي الذي عقده كرمول مع الأيرلنديين، فاخذ يمن عليهم ملتن بما يلقون من عدالة وتسامح ما كانوا ليظفروا بمثلها على يد شارل، وقد حسن وقع هذه الملاحظات في نفس كرمول، ونفوس أعضاء حكومته وأنصاره.
وكانت حكومة كرمول في اشد الحاجة إلى مثل هذا الثناء فهي في الواقع تستند إلى أقلية الشعب، وتعتمد في بقائها على الجيش المنتصر، وعلى شخصية كرمول الذي لقب حامي الجمهورية وان كان ملكا في حقيقة الأمر ينقصه التاج؛ وكانت أغلبية الشعب قد أسخطها القضاء على الملكية، وبات الناس يتوجسون خيفة من انفراد كرمول بالسلطة على هذا النحو دون البرلمان، واخذ البرسبتيرينز في داخل البلاد يكرهون هذه الحكومة إلى الناس خفيه، بينما كان الرأي العام في أوربا يعلن استنكاره وسخطه عليها. . .
وفي شهر أغسطس سنة ١٦٤٩ نشر في الناس كتاب غفل من اسم مؤلفة عنوانه (أيكون باسِلَيِكْ - صورة جلالته المقدسة في عزلته وآلامه)؛ وتلقفت الأيدي هذا الكتاب، وكان الناس قد أحزنهم وآلمهم إعدام الملك على الرغم مما كان من طغيانه وعقد ألسنتهم الرعب والدهشة؛ وسرعان ما نفدت طبعته فأعيد طبعه وأعيد حتى لقد بلغ خمسين مرة في تلك السنة، وذهبت الظنون بالناس كل مذهب من يكون مؤلف هذا الكتاب، وشاع فيهم انه من وضع الملك نفسه كتبه قبيل إعدامه؛ وقد ادعى تأليفه فيما بعد أحد رجال الدين واسمه دكتور جودن وتقرب به إلى الملكية العائدة، وزعم انه اعتمد في تأليفه على مذكرات كتبها شارل بخطه في أخريات أيامه؛ وخلاصة الكتاب إن الملك ذهب ضحية العدوان والبطش