ومهما يكن من أمر تأليفه فقد ذاع الكتاب في الأمة على نحو لم يعرف الناس له شبيها من قبل، وهال الحكومة الأمر فتلفتت تبحث عمن يرد عنها هذه الموجة العاتية، وفكرت في أول الأمر في سِلْدِن وكان من اشهر رجال عصره مهارة وعلما، ولكنها اتجهت أخيرا إلى ملتن.
وما أهل أكتوبر حتى كان ملتن على الرغم مما كان يعاني من ضعف بصره قد رد بكتاب بلغ نيفا ومائتين وأربعين صفحة، سماه (أيكون اوكلاستسي) أي محطم الأيقون؛ وفيه استعراض ما جاء في ذلك الكتاب فصلا واخذ يفند كل رأي فيه ويسفه كل حجة في بلاغة وتحمس وتدفق على نحو ما فعل في خصوما ته وردوده السالفة. . .
وقد افتتح ملتن كتابه بقوله انه مما يجمل بالمرء أن يتعقب مساوئ رجل هوى من مثل تلك المنزلة العليا التي تبوأها شارل وبخاصة بعد أن دفع ثمن ما اقترف، ولكن كتابه على الرغم من هذه الفاتحة لم يغادر صغيرة ولا كبيرة مما فعل شارل إلا أحصاها، ثم راح يعيب على هؤلاء الذين يمجدون ذكرى هذا الملك الذي صنع بحرية بلاده ما لم يصنعه في إنجلترا ملك قبله، ورأى إن الذين يفعلون ذلك إنما يبرهنون به على انهم غير جديرين بالحرية التي حاربوا من اجلها واخلق بهم أن يعودوا إلى الأغلال فمثلهم كمثل عدد من الوحوش الثائرة المقتتلة لا تسكن حتى تكبل أرجلها وتغل أعناقها، وتنم هذه اللهجة القاسية عن مقدار حنقه على من أحزنهم إعدام شارل، والكتاب في جملته وفي روحه العامة لا يعدو عن كونه مجادلة حزبية وخصومة جامحة لا كما تكون الخصومات في الرأي بين العلماء ولذلك فهو لا يشرف رجلا مثل ملتن إن لم يك كفيلا بان ينتقص من قدره. . .
من أجل هذا لا يسع المرء ألا أن يحس آسفا عميقا لانصرافه عن الشعر والفن فذلك ما خلق له، إما هذه الخصومات السياسية وما ينفق فيها من جهد ويحتمل من عناء فما اقلها عودا إلا على الذين طلبوها ليحتموا بها، وما أثقلها وأرذلها وقعا في نفوس الذين يقدرون ملتن حق قدره كشاعر، والذين تهفو قلوبهم إلى أمثال ما غنى من قبل من الحان بلغ بها ذروة الإجادة، وتجاوز بها أقصى ما بلغه شاعر من سحر الفن.
ويحلوا الخصوم ملتن أن يأخذوا عليه مأخذين يتصلان بالآداب والفن في كتاب أيكون