منذ شهرين خفت صوت كان يقصف في أجواء الشرق ليوقظه، وخبا برق كان يتلألأ في الظُلَم المتراكمة يضيئها، وطفئ مصباح كان نوراً للسالكين في هذه الغياهب، وهدى للحائرين في هذه الفتن، وسكن قلب كان يحاول أن يزلزل الأرض بخفقانه، وينشئ الناس نشأة أخرى بإيمانه، وهمدت نفس حرة كانت تكبر على حدود الأوطان والحدثان، والزمان والمكان
منذ شهرين فقد الناس عامة، والمسلمون خاصة شاعراً مفلقاً، ومفكراً مُبدعاً، وفيلسوفاً حرّاً؛ وافتقد شباب المسلمين في الهند وغيرها حامل اللواء الذي كان يدعو إلى السمَّو فوق كل عقبة، والسير وراء كل غاية، ويناديهم صباح مساء
آه للعشق الذي قد ذهبا ... ملأ الأرض ضياء وخبا
رُزق الميلاد في أرض الحرم ... وأتاه الموت في بيت الصنم
كلا. ما خفت الصوت، ولا خبا البرق، ولا طفئ المصباح، ولا سكن القلب الكبير، ولا همدت النفس الحرة، فكل أولئك خالد في آثار إقبال
- ٢ -
كان محمد إقبال عقلا كبيراً، وقلباً عظيما؛ درس ووعى مدنية الإسلام ومدنية أوربا ثم قام ناقداً لا مقلداً، وحرّاً لا عبداً؛ فكان من عظم عقله، ووقدة ذكائه، وكبر نفسه، وسموَّ قلبه، ومن العلم الواسع والإلهام الإلهي هذه الآثار الخالدات
وهب إقبال فكره وقلبه للمسلمين يوقظهم ويعلمهم، ويصف داءهم ودواءهم، ويُشيد بماضيهم، ويبشر بمستقبلهم، ويصوغ وحي عقله وعاطفة فؤاده شعراً يوقظ النفوس الهاجدة، ويشعل الهمم الخامدة بل يكاد يبعث الأموات، ويحيى الموات، تنسم فيه نفحات صوفية، وتنير في جوانبه لمعات الاهية. وقد صدق شاعر الإسلام محمد عاكف بك رحمه الله إذ قال: لو أن جلال الدين الرومي صاحب المثنوي بعث في هذا العصر لكان محمداً إقبالا