ذلك العبقري المتمرد الذي غنى أروع أناشيد الحرية، ولاقى
الموت في سبيل الحرية
للأستاذ محمود الخفيف
أقام الصبي في نوتنجهام ووكلت به أمه أستاذاً يعلمه اللاتينية وأحبه أستاذه حباً عظيماً وأعجب بذكائه الفائق، ودهش لكثرة ما قرأ من الكتب؛ وفي تلك المدينة أسلمته أمه إلى رجل ادعى أنه قادر على أن يزيل عاهته وكم كان يتألم الصبي حين كان يدلك ذلك الرجل رجله بالزيت، ثم يلويها في عنف ويشد عليها الوثاق بين خشبتين، ولكن كبرياءه كانت تأبى عليه أن يظهر الألم على ما كان من هوله وعدم جدواه. . . ولقد كان ذلك الرجل الفظ يرسله أحياناً إلى بعض الحوانيت ليشتري له ما يريد كأنه خادمه، والناس يعجبون ويألمون أن يعامل اللورد الجميل هذه المعاملة. . . وكان الصبي ينتقم من طبيبه بكثير من معاكساته، ومنها أن يسأله أسئلة تظهر له جهله فيسخر منه ويطلق لسانه بالتهكم عليه
واستطاعت أمه أن تحصل له من ميراثه مؤقتاً على ثلاثمائة جنية تدفع له كل عام حتى يبيح له القانون أخذ نصيبه كله. وأخذا يحسان اليسر في معيشتهما، ولكن أمه ظلت على حالها من الشذوذ فهي لا تني تكيل له الشتائم وكثيراً ما تطارده تريد أن تضربه فلا تدركه على الرغم من عرجه، ولقد علمه هذا أن يصيبها ببعض تهكماته وأن يناوئها بعناده وتمرده
وهكذا تظهر الظروف خلاله في هذه السن الباكرة، فهو عنيد متمرد ذو كبرياء، وهو متوقد العاطفة مشبوب الخيال، وهو بارع الكلمة حاضر البديهة، ولسوف تكون هذه في غد خواص شعره يوم يحمل أنصاره وخصومه جميعاً على الإعجاب بذلك الشعر
وأدخلته أمه مدرسة في لندن وهو في الثانية عشرة من عمره، وكانت تزوره هناك أحياناً فيبدو للناس من شذوذها ما يخجل اللورد المتكبر منه، وكم كان يضيق بخلانه إذ يعيرونه بحماقة أمه، فيحاربهم تارة ويعرض عنهم تارة أخرى. . . ولقد كان وهو في تلك السن يحمل في جيبه أينما سار مسدساً محشواً، كأنما كان يستعيض به عما لحقه من ضعف