للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بسبب عرجه. . . على أن لا يستبعد أن يكون ذلك بعض ما تطرق إليه من شذوذ بسبب ما سمع من الأقاصيص عن اللورد التعس فلقد كان الصبي يبدى إعجابه بما كان يقص عليه الخدم من أنبائه في قصر نيوستر

ونقل الصبي وهو في الثالثة عشرة إلى مدرسة تليق به، وكانت من أكثر المدارس شهرة يومئذ، وهي مدرسة هارو؛ وكان يقوم عليها أحد ذوي المكانة من المربين، وسرعان ما فطن ذلك المربي إلى صفات التلميذ الجديد، فلمح عناده وكبرياءه، ولذلك عول على اكتسابه باللين، فنجح في ذلك نجاحاً كبيراً، وأحب التلميذ ناظره واطمأن إلى عدالته، ولعل هذا الشخص الوحيد الذي خضع له بيرون في حياته كلها. . .

وهالت المدرسين والتلاميذ جرأته من أول الأمر، فهو يخرج على ما يحد من حريته، وهو يذهب في ذلك إلى أن يعلن إعجابه ببونابرت، بل أنه ليحمل صوراً له وتمثالاً صغيراً، وهو لا يفتأ يتحدث عن الثورة في فرنسا وما تدعو إليه من حرية، ولو كان على رأس تلك المدرسة رجل غير ناظرها هذا لما صبر على جرأة هذا التلميذ الثائر. وسرعان ما حمل التلاميذ على الإعجاب بخلاله، فهو جريء في الحق، يظهر من الشجاعة الأدبية في كل المواقف ما ينال به احترام الجميع، وهو لا يعرف الكذب ولا يطيق سماعه، وهو ولوع بالرياضة على الرغم من عاهته، وهو شديد الإخلاص لأصدقائه لا يبخل على أحد بشيء مهما عز، وهو مشتعل حماسة وإقداماً، وهو فصيح اللسان، أخاذ العبارة، ذكي الفؤاد؛ وهو فضلاً عن ذلك كله قد قرأ من الكتب ما لم يقرأ نصفه أحد ممن هم في سنه. هذا إلى إعتداده بنفسه وحرصه على كرامته وطموحه وبعد همته

لذلك لم يمض على بيرون عام في مدرسته حتى كان شخصية فذة فأحبه جميع أقرانه، واحترمه أساتذته، وأعجبوا به على الرغم من تمرد روحه وتكاسله أحياناً عن دروسه، وكان ذوو الصبائر منهم يتنبئون لذلك الغلام بمستقبل فذ وأثر في الأدب خطير

وكان قد ملك قلبه وهو في الثانية عشرة حب جديد فهام بابنة عم له أخرى هي مارجريت باركر، ولقد ذكر بيرون فيما بعد أن أول خطوة خطاها في الشعر كانت بوحي من هذه الفتاة التي كانت تكبره بعام، على أن يد الموت لم تلبث أن قصفت عودها اللدن وهي في الخامسة عشرة، فكان هذا أول حزن أرمض قلب الفتى واستقر في أعماقه حتى نهاية عمره

<<  <  ج:
ص:  >  >>