وكان يراه التلاميذ في هارو يحمل كتاباً ويصعد التل القريب إلى مقبرة هناك فيضطجع على قبر تظلله شجرة ويظل يقرأ ويتأمل في ذلك المكان مدة قد تطول إلى ساعات؛ وكان مما ظهر من صفاته في الرابعة عشرة ميله إلى العزلة أحياناً، وذلك دأب ذوي النفوس الحالمة الحزينة، ولقد اشتهر فيما بعد أمر ذلك القبر الذي كان يضطجع عليه الشاعر، حتى لقد أحيط بسياج من الحديد بعد أن أصبح الشاعر في ذمة التاريخ، وذلك حين امتدت أيدي الزائرين لهذا المكان إلى أحجاره تحملها كأثر من أثار العبقرية على الرغم من أنهم كانوا يعلمون أن ذلك القبر لم يك قبر بيرون
وأتيح للفتى وهو في السادسة عشرة أن يذهب إلى قصره في نيوستد أثناء عطلة صيفية أجابة لدعوى وجهت إليه من مستأجر ذلك القصر، وكان هذا شاباً يدعى اللورد جراي، ولشد ما أبهج بيرون أن يرى ذلك القصر، وأن يرى تلك الشجرة التي غرسها هناك بيده وقد أخذت تترعرع وتكبر
وكان يقوم على مقربة من نيوستد قصر آخر في موضع اسمه أنسلي، وكانت تملكه أسرة سودرث وهم من ذوي قرباه، وكان بيرون يمتطي جواداً إلى ذلك القصر أحياناً، حيث كان يرى قريبته ماري سودرث وهي فتاة تكبره بعامين، وهي من سلالة ذلك الرجل الذي قتله اللورد التعس في مبارزته
وكانت ماري تحب فتى من أهل تلك الجهة على غير علم من بيرون. . . ولكنها رأت في نظرات بيرون مالا يخفى على عين فتاة في مثل هذه السن، والفتيات يفهمن بغريزتهن لغة العيون إذا ما استبهمت من الخجل لغة الكلام. . . ولقد هام بحبها ذلك الفتى المشبوب الخيال الملتهب العاطفة، واستأثرت بلبه الفتاة حتى ما يرى للوجود معنى غير معنى هيامه بها، ولا يتصور سعادة تقاس إلى سعادته بحبها؛ ولكن قلبها لم يك طوعها يومئذ، فلقد ربطة الحب بقلب غير ذلك القلب الفتي المتوثب، على أنها وجدت في هيام اللورد بها ضرباً من اللذة ومعنى من معاني الزهو فطاوعته وجاذبته أطراف الأحاديث، وجعلت لنومه حجرة في قصرها ليبيت هناك إذا شاء، وأهدت إليه صورة لها وخاتماً
وبات الفتى في فردوسه الجديد يستروح أنسام السعادة ويحلم أحلام الحب، إلى أن كان ذات ليلة من ليالي فردوسه في طريقه إلى مخدعه فسمع ماري تقول لخادمتها وقد حسبته قدر