للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صار بحيث لا يسمع: (أتظنينني أعبأ حقاً بهذا الفتى الأعرج)؟ ونفذت الكلمات كالسهام إلى قلبه، ورأى جنته قد انقلبت جحيما في مثل خفقت الطرف، فخرج لتوه في الظلام وظل يعدو كالمجنون حتى بلغ نيوستد؛ فأوى إلى حجرته لاهثاً خائر البدن، وبقى شارد اللب ساهد الجفن حتى أصبح الصبح، فعاد إلى أنسلي ولكنه لم يطلع ماري على ما حدث. واستقرت اللوعة في قلبه فأخذ يخفيها مكابراً معانداً، يسفه ذلك القلب ويزجره وإن كان ليكاد ينفطر مما به؛ ولقد كان من أبرز خلاله أنه يطوي على الثورة نفسه فتظل الثورات كامنة فيه حتى تجد متنفساً لها، ولم بك ذلك المتنفس غير شعره. . . والحق لقد كانت هذه الإشارة إلى عاهته أوجع مما سبقها جميعاً وأشدها نيلاً من كبريائه. . .

وحان موعد الذهاب إلى المدرسة فلم يذهب على الرغم من إلحاح أمه عليه وقطعه العهد على نفسه بالذهاب مرة بعد أخرى. . . ثم نشب بينه وبين اللورد جراي شجار عنيف لسبب عقل الخجل الشديد لسانه عن أن يفضي به إلى أمه، ولقد التهب وجهه وهي تستفهمه عنه كأنما سرت في جسده حمى. . . وأخيراً عاد الفتى إلى المدرسة بعد فوات ثلاثة أشهر منذ بدأت الدراسة وقلبه مثقل بالهموم ونفسه منطوية على الثورة

وحاول بيرون أن يتعزى بأصدقائه عما ناله على يد ماري فأقبل عليهم يستزيدهم من أحاديثهم، فإذا مال بهم الحديث إلى الحب راح يسخر من الحب بكل ما في وسعه من معاني السخرية فما الحب في نظره إلا ضرب من الجنون ونوع من الضعف، وإن الوقت الذي ينفقه المرء في الهيام أضيع أوقات حياته وأتعسها. يقول ذلك وإن قلبه لينبض بالحب كأقوى وأوجع ما يكون الحب فيكون مثله في ذلك مثل من يشتد به الحزن لأمر من الأمور، فلا يزيد في دفع هذا الحزن على أن يضحك ويغرق في الضحك ويصيح بأعلى صوته إنه فرح مستبشر حتى إذا خلا إلى نفسه أحس بالجوى أشد لذعاً واقبح وقعاً مما كان عليه قبل هذا المرح المتكلف ولاذ بالكتب لعلها تسرى عن فؤاده، وراح يقرأ منها ما يسفه الحب ويفند أقوال المحبين ويسخر من دعواهم، ولقد كان يرجو من وراء ذلك أن يبرأ من دائه كما كان يرى فيه ما يتفق مع عناده وكبريائه كأنما كان يريد أن يصرف قلبه عن وجهته بالعنف بعد أن عجز أن يعلله بالصبر

وتزايدت على الأيام محبة أصدقائه له وحرصهم على مودته، فكانوا يرجعون إليه في

<<  <  ج:
ص:  >  >>