أمورهم ويعدون الاستمتاع بروحه العذبة من أجمل أويقات حياتهم في المدرسة ويحسون جميعاً أنهم دون هذا الفتى يحيا حياة الشاعر وإن لم يحمل بعد قيثارة الشاعر ويعترفون له بالتفوق أرادوا ذلك أولم يريدوا وإن منهم من يبذه في الدروس المقررة ويظهر عليه في كثير من نواحي الحياة المدرسية وصار يكثر من الذهاب إلى تلك المقبرة التي أحبها فيقضي ما شاء من الوقت في تأمله وقراءته وأقرانه ينظرون إليه ويشيرون عن بعد قائلين: هاهو ذا بيرون يصعد التل إلى مقبرته
وازداد تعلقه بالمدرسة وحياتها حتى إنه ليحزنه أن تقرب ألا جازات الدراسية فهو لا يستطيع أن يذهب إلى أنسلي ولا إلى نيوستد، وليس أمامه إلا أن يذهب إلى حيث باتت تقيم أمه في سوثول على مقربة من قصره العتيق، وهو كلما تقدمت به السن ازداد نفوراً من تلك الأم التي ما تزال تشتمه وتعنفه لسبب ولغير سبب حتى ليضيق بها وبالحياة جميعاً من أجلها على أنه ما لبث أن سكن إلى أخته لأبيه أوجستا وراح يشكو لها بثه وحزنه وكانت رسائله إليها مفعمة بحماسة قلبه وتوثب روحه وتوقد عاطفته، وكانت تعدها من أكبر دواعي سرورها كما كان يعد رسائلها إليه، ولما علم أنها قد مسها عذاب من الحب كتب إليها يظهر توجعه لها ويعلن لها في الوقت نفسه استهزاءه بالحب وسخافاته وكرهت إليه قسوة ماري النساء جميعاً وصار يعتريه الخجل إذا طلع عليهن، على أنه حينما علم بقرب زواج ماري ذهب ليراها وقد كتبت إليه تدعوه ودخلت عليه حيث كان ينتظرها فحيت، فوضع يده في يدها دون أن يتكلم ثم خرج مسرعاً فامتطى جواده وراح يسبق به الريح
وأحس بيرون في سنته النهائية في هارو حباً شديداً لهذه المدرسة حتى لقد كان يفكر كيف يطيق الخروج منها، وكان في سنته النهائية قد قارب السابعة عشرة وقد أقام من نفسه زعيما وحامياً لكن من كانوا دونه في السن، ولقد كان شديد الولوع بهذه الزعامة عظيم الفخر بها والحرص عليها، وأخذ في تلك السن يكثر من نظم الشعر في الحفلات المدرسية وفي غيرها من المناسبات غير أن أقرانه ورؤساءه كانوا يرون فيه خطيب الغد أكثر مما كانوا يرون فيه شاعرا ًوذلك لما آنسوه من حماسته في إلقائه كلماته ولما خبروه من بلاغة عبارته وقوة جنانه وانطلاق لسانه