كان من العوامل الخارجية التي نازعت سلطان العلويين في مصر وجود حزب الأمويين في الشام، وعلى رأسه معاوية أبن أبي سفيان الذي أخذ يعمل على سلخ مصر من علي بن أبي طالب. وسار معاوية إلى هذه البلاد ونزل بسلْمنْت من كورة عين شمس (في شوال ٣٦ هـ)، فخرج إليه أبن أبي حذيفة وأنصاره ليمنعوه، فبعث إليه معاوية يخبره أنه لا يريد قتالاً وإنما يريد أن يدفع إليه رؤوس قتلة عثمان، فأبى ذلك عليه، فبعث معاوية يطلب إليه تبادل الرهائن والودائع، كي يضمنوا جميعاً أن يكف الفريقان عن الحرب، فقبل ذلك أبن أبي حذيفة.
ولعل أبن أبي حذيفة لم يفطن إلى ما كان يرمي إليه معاوية، وأن هذا الطلب لم يكن في حقيقة الأمر إلا مكيدة حاك شراكها دهاؤه، فاستخلف على مصر رجلا من أنصاره، وهو الحكم بن الصلت، وخرج في الرهن هو وغيره من قتلة عثمان، ثم سجنهم معاوية في (لدّ) من أرض فلسطين، وسار إلى دمشق، فهربوا من سجنهم، إلا واحداً أبى الفرار، فتعقبهم عامل معاوية وقتلهم، وكان من بين القتلى محمد بن أبي حذيفة. (ذو الحجة ٣٦ هـ) وذلك بعد مقتل عثمان بسنة كاملة
ولسنا ندري كيف يعلل خروج أبي حذيفة، وهو رأس شيعة عليّ في مصر وغيره من أنصار العلويين وزجه بنفسه في مغامر هذا الرهن. بيد أن المصدر التاريخي الذي نعوّل عليه في هذه المسألة وهو كتاب (الولاة) للكندي (٣٥٠ هـ) أقدم مؤرخي مصر بعد أبن عبد الحكم (وعنه أخذ غيره من المؤرخين المتأخرين، وأهمهم أبن دقماق والمقريزي وأبو المحاسن والسيوطي) لم يذكر لنا السبب الذي حدا بابن أبي حذيفة وأنصاره إلى الذهاب في الرهن، بل ولم تذكر المراجع كلمة واحدة عن رجال معاوية الذين دخلوا في هذا الرهن، الذي لم يكن في حقيقة الأمر - إن كان قد وجد فعلاً - على قدم المساواة بين الفريقين