للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المتخاصمين.

وقد يكون معاوية رأى أنه مع استطاعته فتح مصر أن الوقت لم يحن بعد لهذا الأمر، إذ لا بد له من الاحتفاظ بقوة كبيرة لمنع مناوأة العلويين، لأن جميع أهل مصر بايعوا أبن أبي حذيفة إلا نفراً يسيراً انتصروا لعثمان، فعول معاوية على استئصال شافة رءوس قتلة عثمان ليتمكن من حرب علي ثم يستولي على مصر متى تهيأت له الفرصة بعد أن يوقع بجيش علي.

وبعيد جداً أن يكون أبن أبي حذيفة قد اضطر إلى قبول طلب معاوية، لأن الرجل لم يبال بخصمه. يدلل على ذلك أن معاوية لماّ بعث إلى ابن أبي حذيفة يطلب منه أن يدفع إليه عبد الرحمن بن عديس وكنانة بن بشر وهما رأس قتلة عثمان امتنع أبن أبي حذيفة وقال: لو طلبت منا جدياً رطب السرة بعثمان ما دفعناه إليك) وهذا يحملنا على الظن بأن معاوية لجأ إلى هذه الحيلة حين لم تجد جهوده الحربية مع أبن أبي حذيفة نفعاً.

ولما بلغ علياً قتلُ أبن أبي حذيفة ولى مصر قيس أبن عبادة الأنصاري، فدخلها في ربيع الأول ٣٧ هـ، وكان من أهل الرأي والبأس، واستمال إليه العثمانية المقيمين بخُرْبتا (شرقي الدلتا) وأحسن إليهم، وكان أهل مصر إلا هؤلاء (وعددهم زهاء عشرة آلاف) مع عليّ بن أبي طالب.

وقد حاول معاوية وعمرو بن العاص التغلب على مصر، فأمتنع قيس هذا على معاوية، فلم يكن بدٌ إذاً من إعمال الحيلة لإخراجه، فأذاع معاوية أن قيساًُ من شيعة عثمان وأن كتبه تأتيه. فلما سمع عليّ بذلك، أمر قيساً بمحاربة العثمانيين بخربنا، فأجابه بأنه أمّنَهم على أنفسهم ليأمن جانبهم، لأن فيهم كثيرين من وجوه أهل مصر وأشرافهم، فعزله عليّ ووليّ مكانه الأشتر بن مالك لأنه ثقل عليه، فأبعده عنه.

على أن والي مصر الجديد لم يكد يصل الفلزم (وهي السويس الحالية) حتى شرب شربة من العسل لا يبعد أن يكون قد دُس له فيها السمْ فمات، فولى مصر بعده محمد بن أبي بكر، فأظهر الخيلاء وأساء إلى العثمانية، وبعث إلى رأسهم معاوية بن حُدَيْج يدعوه إلى بيعة عليّ، فلم يجبه إلى طلبه، فهدم دورهم، ونهب أموالهم، وآذى أولادهم، وحبسهم؛ فعوّلوا على حربه، ولكن أبن أبي بكر رأى أن يتلافى ما قد يجرّه الاشتباك في حرب معهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>