للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين سيد الشعراء وسيد رجال المال]

للأستاذ صالح جودت

في ليلة مشهودة في التاريخ، عشية الجمعة المباركة من اليوم السابع من شهر مايو سنة ١٩٢٠، ائتمر نفر من سراة القوم في دار الأوبرا (السلطانية)، ليحتفل بتأسيس أول دعامة من دعائم النهضة الاستقلالية المصرية، هي (بنك مصر).

وفي تلك الليلة المزدهرة، وقف مؤسس هذه النهضة، محمد طلعت حرب، يقول بصوت يختلجه الإيمان:

سادتي:

ما كاد يظهر نبأ تأسيس البنك حتى وجهت إلينا الاعتراضات الآتية:

أولاً: إننا أردنا لبنك مصر ورأس ماله صبغة مصرية، فأثبتنا تعصبنا وتأخرنا في المدنية.

ثانياً: إنه ليس في مصر من يصلح لأعمال البنوك.

ثالثاً: إن الأمة، مع كل الطبل والزمر اللذين أحاطا بالمشروع، لم يمكن أن يجمع منها سوى ثمانين ألفاً من الجنيهات، من أسماء كثيرين، اكتتب كل منهم بمبلغ زهيد، مما يدل على أن الأمة غير مستعدة للأعمال الاقتصادية. . .

وماذا يراد أن يُعمل بمثل هذا المبلغ الزهيد الذي لا يفي ربحه لدفع أجرة المحل ومرتبات بعض الموظفين. . .

دعونا نبتعد عن هذا الحديث قليلاً، لنتدرج فنعود إليه.

نشأ طلعت حرب - أول ما نشأ - أديباً يحمل القلم، ويصدر عنه المقال تلو المقال، والكتاب إثر الكتاب، ينافح بها في إيمان الكاتب المخلص، والمسلم المؤمن، والأديب الموهوب، عن كيان المجتمع وحرمة التقاليد، والمحافظة على تراثنا الإسلامي من الفضيلة والعفاف. . .

وكانت جهوده الاقتصادية آنذاك تقوم في ركن هادئ من حياته القلمية البارزة.

وهناك. . . في أفق الأدب المتسع، والفن الوضاء، ارتبطت روح طلعت الأديب، بروح شوقي الشاعر، وأدرك كل منهما نواحي العظمة في صاحبه، ثم مرت الأيام تجلو أقدار الرجال، وإذا بالروحين الحبيبين، روح الأديب وروح الشاعر، لا يزيدهما مر الأيام إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>