في سنة ١٩١٢ كان الأستاذ محمود أبو رية أديباً ناشئاً، وقد أعجب بالأديب الكبير الأستاذ مصطفى صادق الرافعي، فاتصل به عن طريق المراسلة، حتى نمت العلاقة بينهما وصارت صداقة ومودة. كان أبو رية يكتب إلى الرافعي يسأله عن كثير من شؤون الأدب ومسائله، فيجيبه برسائل تحتوي على كثير من الآراء واللمحات إيجاز تقتضيه طبيعة الرسائل الخاصة، وكان الرافعي يرسل نفسه على سجيتها في هذه الرسائل لا يكاد يخفي شيئاً من نوازعه وخواطره.
وقد ظفر الأدب من تلك المراسلة بهذا الكتاب (رسائل الرافعي) الذي أصدره أخيراً الأستاذ محمود أبو رية، مشتملاً على ٢١٨ رسالة انتقاها من بين ما كتب إليه الرافعي (لما فيها من فوائد جليلة للأدب والمتأدبين يله ما تحتوي عليه من تفصيل شامل لتاريخه الأدبي وغير الأدبي) كما قال في مقدمة الكتاب. وقد عنون لها بما يدل على أهم ما فيها، ورتبها ترتيباً زمنياً، يبدأ من سنة ١٩١٢ إلى سنة ١٩٣٤، فجاءت (فلما) يعرض أطرافها من حياة الرجل الشخصية والأدبية وملامح من تيارات الحركة الأدبية في مصر طيلة تلك الفترة ممن الزمن. والقيمة الكبرى لهذه الرسائل هي أنها تصوير صادق لنفسية الرافعي ودوافعه الأدبية، وفيها إلى جانب ذلك تلك الفوائد الأدبية التي أشار إليها الأستاذ أبو رية، وفيها أيضاً إشارات كثيرة إلى ما كان بين الأدباء في ذلك الزمان من مجاذبات يلونها الرافعي بعاطفته الخاصة، إذ كان يقف من أكثر أدباء الجيل موقف المخاصم المنافح، وقد أحسن الأستاذ أبو رية بحذف بعض العبارات القاسية التي وصف وعبر بها عن أولئك الأدباء، والاكتفاء بالخفيف المقبول منها. وفي الرسائل كلها روح لطيف ممتع، هو روح الطبيعة المطلقة غير المتحرجة، إذ أن كاتبها لم يكن يقدر - ولا شك - أنها ستنشر على الناس.
في هذا الكتاب يبدو الرافعي (وراء الكواليس) كما يعبرون بلغة المسرح. . فهو يحدث أبا رية عن مؤلفاته ومقالاته، لم كتب هذا أو ذاك، وما وقعه، ومتى يكتب مقال كذا أو يشرع في تأليف كذا، ويحدثه مع ذلك عن آلامه وأمراضه ومنها ما ناله بسبب الكتابة. . . إلى