آخر هذه الملابسات. ومما يستشفه القارئ من هذه الرسائل، اعتزاز الرافعي بأدبه اعتزازاً يبلغ به درجة الغرور، ومحبته السافرة للتقريظ وأثناء؛ فهو يرى أنه - وحده - أديب الزمان، وسائر ما يكتبه الأدباء (تدجيل صحفي) لم يكد يسلم من تجريحه أحد من أعلام الأدب في عصره، وهو يحدث أبا رية عن حملاته الأدبية وكيف أنها نسفت من نازلهم أو أنه سيكتب عن فلان ما لن تقوم له بعده قائمة، ويتمنى أن يتفرغ للنقد نحو سنتين أو ثلاث ليهدم العصر كله من جميع نواحيه الضعيفة ويبني عليه أدباً جديداً، ولقد كان ذلك رأيه في الوقت الذي بلغ فيه الأدب المصري الحديث أعلى ما بلغه من القوة والازدهار، ولقد كتب هو في النقد فكانت كتابته أقرب إلى الشتم والهجاء وخاصةً ما كان يسميه (السفافيد) التي كان يشري عليها من يمزق لحومهم:
وهكذا نرى الرافعي في هذه الرسائل يعد نفسه فارس الحلبة، ويرى أنه وحده الواقف في الميدان، وهو يصرح بذلك في هذه الرسائل الخاصة، وكان حياؤه ولباقته وفطنته تمنعه من هذا الادعاء في أدبه العام. ولعل ذلك راجع إلى ما كان يراه من تقدير الناس لغيره أكثر منه، فهو يحاول أن يعوض هذا النقص بلسانه في الخفاء، وإن لم ينقل به في العلن:
وهو يحب الثناء ويطلبه، يطلب من أبا رية أن يكتب عن كتبه في الصحف، ويسر كل السرور من تقريظ المقرظين، بل هو يجعل الثناء عليه مقياساً لقيمة المثنى. وهو لا يرى أدبه أحسن من الأدب المصري الحديث فقط، بل يفضل بعض كتبه ومقالاته على ما كتب الأقدمون، وعلى ما كتب كتاب الغرب مثل برجسون وشكسبير ولا مرتين.
وبعد فقد أحسن الأستاذ محمود أبو رية بإخراج هذا الكتاب القيم الممتع الذي إضافة له لوناً طريفاً إلى كتب الأدب.
ضبط الكتابة العربية:
ألقى الأستاذ محمود تيمور بك محاضرة في (ضبط الكتابة العربية) بإحدى جلسات مؤتمر المجمع اللغوي الماضية، وقد بسط فيها المصاعب التي تعترض ضبط الكتابة العربية على صورتها الحالية، مما يؤدي إلى الخطأ في نطق الكلمات وتعذر القراءة الصحيحة، لا على عامة المتعلمين فقط، بل إن المختصين في اللغة لا يستطيعون الضبط التام إلا باطراد اليقظة ومتابعة الملاحظة ومزيد التأني.