للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أقاصيص الجواري في عهد الرشيد:]

بهيرة

(مهداة إلى صاحب المعالي إبراهيم دسوقي أباظة باشا)

- ١ -

- ما اجمل هذا الصوت! من أين مصدره؟

- من صوب النهر يا مولاي

- إن حلاوته وإيقاعه لينبئان عن ظرف بارع وصبى نضر

- لعلها قينةٌ في زورق من زوارق المخنثين ترف على لهوهم الماجن بالغناء والحسن كالعادة

- مل بنا إلى الشاطئ عسى أن نرى مصداق ما نسمع وكان الرجل الذي سال وأمر طويلاً بدين الجسم أشقر اللحية على وجه جلالة السلطان ومهابة الملك؛ أما رفيقه الذي أجاب وأطاع فكان مساوياً له في العمر، ولكنه كان ربعة القوام، رقيق البدن، أزهر اللون، تتوسم الظرف من ملامحه، وتتبين الذكاء من ألفاظه. وكانا يلبسان ملابس التجار ويمشيان مشية المستطلع بين القصور الناعمة القائمة على دجلة من كرخ بغداد في أصيل يوم من أيام أبريل. وعلى ثلاث خطوات مهما كان يسير رجل وثيق التركيب عظيم البسطة يلحظ لحظات الصقر أرعاهما بعين النمر. وكان دار السلام يومئذ في أيام العروس من عهد الرشيد، قد تجمعت فيها الدنيا بهجتها وزينتها، وفتنتها وثروتها، فهي أشعة من الجمال والسحر، وظلال من الرخاء والبشر، ونسمات من الروح والعطر، وخالية من الحب والشعر، ومتع من نعيم التمدن الإسلامي القائم على لذة الروح والجسم، وسعادة الدين والدنيا، وراحة النفس والناس

اتجه الرجلان وتابعهما الصامد نحو الصوت فجرهما إلى بستان مشرف عل انهر قد جلست على عريش منت عرائشه الكاسية بأشتات الرياحين وزهرة العمر ترسل هذا اللحن الشجي الضارع كأنها تهدهد به حباً لا يهجع، وتناجي به حبيباً لا يسمع!

فدار بين اعظم الرجلين وبينها هذا الحوار الرقيق:

<<  <  ج:
ص:  >  >>