- وهل خلق الله مثل هذا الصوت ليتبدد في الهواء ويضيع في هذه الخلوة؟
- سل البلبل حين يبعث الشدو: هل يريد أن يبعثه إلى اذنك؟ وسل الشمس حين ترسل الضوء: هل تريد أن ترسله إلى عينيك؟ وسل الزهرة حين تبعث العطر: هل تريد أن تبعثه لانفك؟
- تبارك الله! براعة في الغناء وبراعة في الذكاء وبراعة في الحسن! ماذا تسمين؟
- بهيرة
- ولمن تكونين؟
- لسيدي علي بن وهب
قالت ذلك بهيرة ثم حيت الرجل وصاحبيه ثم انطلقت في أشجار البستان كأنها عروس من عرائس المروج ازدهارها الربيع فطفرت من المرح راكضة راقصة
- لقد وقعت بقلي هذه الجارية يا جعفر!
- إذا شاء أمير المؤمنين كانت في ملكه من الغد
- ٢ -
وفي غد ذلك اليوم انتقلت بهيرة بالشراء إلى قصر الرشيد بالرصافة، وكان بموج بالحوار والولدان موجان الفردوس، حتى بلغ ما فيه من السراي والقيان زهاء ألقى جارية من الروميات والكرجيات والجركسيات والعربيات والحبشيات، يرفلن في الأثواب الموشاة بالذهب، والعصائب المرصعة بالدر، والمناطق المنسوجة بالمسجد؛ ويخطرن بين دوائر الحرم موائس من الدلال، نشاوى من الحسن، ينفحن بالفتون والحب كما تنفح الزهور العاشقة بالعطور المغرية في ميعة الربيع.
أحلها مسرور الخصي مقصورتها الأنيقة بين مقاصير سحر وضياء وخنث (١) وأفاض عليها من الوشى والزينة والحلى ما جعلها قطعة من الفن الجمالي الخيالي لا تبلغها قريحة شاعر ولا عبقرية مصور. وانغمرت بهيرة في فيض من الجمال والنور والترف واللذة؛ ولكن هذا القصر الذي لا ثاني له في دنيا الناس لم يستطيع بما فيه من النعيم الدافق