والسرور المتصل واللهو المختلف والأشجار المحمولة من كل ارض، والأطيار المجلوبة من كل سماء، والأواوين المنجدة بالديباج والارسيم، والبرك المزدانة بالتماثيل والدمى، والسلطان الذي خضع له الدنيا، والجلال الذي اعتز به الدين؛ لم يستطع بكل أولئك أن يسمح عن وجه بهيرة هذه الكآبة الغاشية ولا هذا السهوم الملح، فقد كانت أشبه بالوردة المقطوفة على المائدة الغارقة في السرور الطافحة باللذة: وتموت وكل ما حواليها يزدهي وينتش. فهل كان قصر الخليفة أضيق من قصر التاجر؟ ام كانت سيادة ابن وهب أني على قلب بهيرة من سيادة الرشيد؟ واقع الأمر أن هذا الحال لم يطرأ على بهيرة في عيشها الجديد، وإنما كانت تلازمها وهي في ملك ابن وهب، وقد تذرع الرجل بالطب والحيلة والإله وإلى أن برفه على جاريته المحبوبة فما كانت تزداد على عنايته بها ورعايته لها إلا هما على وهم؛ حتى استراب في حبها إياه فحاول أن يصل إلى سراها ويعرف متجه هواها فما استطاع. فلما ساومه النخاس عليها بالثمن الربيع نزل عنها غير آسٍ ولا آسف
كانت بهيرة قبل عامين قد وهبت قلبها الخالي المنتظر لفتى من سراة بغداد الظرفاء فشغله كله وتغلغل فيه تغلغل السر، وشاع به شيوع السرور. ثم تقلبت عليها الأيام والأحداث وهما ثملان من رحيق الحب، وادعان في ظل الآمان، حتى نزل بالفتى ما ينزل بالمترفين المتبطلين من كساد الحال وهجوم الفاقة، فباع كل ما يملك، ثم عاش على الأماني فترة من الدهر؛ ورأى أخر الأمر أن من الإخلاص لحبيبته إلا يحملها وزر إسرافه وعواقب طيشه، فباعها على الرغم من تشبثها به وإيثارها إياه من على ابن وهب ودأب يزورها يوماً بعد يوم وهي في قصر ابن وهب، من وراء الحديقة، ومن خلال السور، وهي تنتظره في العريش الذي رآها فيه الخليفة يوم تنكره، فيستسقيان كؤوس الهوى، ويتناقلان حديث المنى، ويتشاكيان حرقة الوجد، وينظران نظرات الأسى إلى دجلة والشابا الأحباب يشرقون على وجه إشراق البسمة العذبة على ثغر السعيد، فيذكران كيف كان هذا النهر الخالد مسرحاً لصباهما اللاهي، وشاهداً على حبهما الخالص؛ وكيف نظر أليهما الدهر الخؤون فتقوض الربع الآهل، وتفرق الشمل الجميع، وآل الأمر بينهما إلى أن يكون بين قلبيهما عاذل لا يتغفل، وبين جسميهما حاجزاً لا يقتحم!
كانت بهيرة وهي في قصر ابن وهب تستطيع أن ترى سليمان وان تتحدث إليه وان تترك