للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

جميلة تحت ظلال الأرز

ملخصة عن قصة طويت لهزي بوردو

بقلم الأستاذ حلمي مراد

لم يكن يدور بخلدي، يوم أن رست بي الباخرة (لوتس) في ميناء بيروت، أن الأقدار قد هيأت لي أن أعود من زيارتي للبنان بوقائع هذه الفاجعة: فاجعة قلبين فرقت بينهما شريعة الدين، فجمعت بينهما شريعة الحب. وما كنت لأقص خبرها لو لم أسمعها بأذني من فم الرجل الذي كان شاهدها، بل كان واحداً من أبطالها، قبل أن يكون راويها

كنت قد عرفت (خليل خوري) في إحدى قرى لبنان؛ كان شيخاً مارونياً في نحو السبعين من عمره، طويل القامة، وسيم القسمات، مهيباً في عباءته الحمراء وعقاله الأسود العريض. وكنت قد قضيت اليوم معه في التجوال فوق قمم الجبال التي تكسوها الثلوج، حتى أن لنا أن نستريح، فجلسنا عند حافة غابة الأرز العتيق، نشرف من عل على الوادي السحيق، حيث ينبثق نهر (قاديشا) من بين الصخور التي اصطبغت بلون الأرجوان، وينساب بين المراعي والقرى وغابات البرتقال

وهناك تحت ظل أرزة ساحقة، باح لي الشيخ الحزين بسره الذي أقفل عليه قلبه طوال خمسين عاماً كاملة. باح لي به تحت تأثير إلحاحي الشديد، وتحت وقر الكتمان الطويل الذي كثيراً ما يرهق العاشق كما يرهق المجرم الأثيم

قد يبدو غريباً أن ترد قصة غرام جارف على لسان عجوز في السبعين، ولكن عزاءه كان أن الاستغراق في الذكرى قد أعاد له - ولو إلى حين - انفعالات الشباب، فوجد في قلبه، مرة أخرى، عاطفة الأيام الخوالي. العاطفة التي أحالت واحة حياته إلى صحراء مقفرة، لا بهجة فيها ولا رواء

ومن يدري؟ ربما كان الشيخ قد رأى في تغلبه على عوائق السن ودواعي الوقار، أطيب تحية يزجيها للعاطفة الأثيمة التي فاضت من قلب (جميلة) قبل نصف قرن من الزمان

<<  <  ج:
ص:  >  >>