حيا الله الشعر العربي، فلقد آزر النهضة الشرقية أتم مؤازرة، فأيقظ عيوناً نائمة، وأسمع آذانا موصدة، وطاح بجبابرة قساة، وأدوا الكرامة الإنسانية، وأزهقوا العزة القومية، كما أسدلوا على الشرق الصريع ستورا مظلمة مخيفة، تنصب خلفها المكائد الدنيئة، ويتحبر في ليلها الحالك شياطين البغي والاستبداد.
ولقد كان الرصافي رحمه الله في طليعة هؤلاء العباقرة المجاهدين، فقد اتخذ من يراعه القوى صارما بتارا، تنقل به من معركة إلى معركة، فهو في ميدان السياسة يشن الغارة على السرطان الاستعماري، ويقف في وجه الطاغوت التركي؛ وهو في ميدان الاجتماع يحث على التعليم المنتج، ويدعو إلى الأخلاق الرفيعة، كما تراه يتغنى بماضي الشرق الزاهر، ويندب حاضره المنكود، حتى أثمر جهاده أي إثمار، فهب العالم العربي ينقب عن تراثه الضائع، ويستعيد مجده المغصوب.
وسأحاول اليوم أن أكشف عن أثر الرصافي في النهضة النسوية، كما أبين شعوره نحو المرأة كانسان ناضج، وكيف أوحت إليه من المعاني والأخيلة ما ارتسم واضحاً في مرآة شعره. ولا عجب فقد وجدت لزاماً بعد أن وقفت على مجهوده الموفق في هذا السبيل أن أتحدث عنه إلى القراء.
لم تكن حال المرأة في العراق خيراً منها في مصر، بل كان الحجاب والجهل من لوازمها الأكيدة في كلا القطرين، فارتفعت الدعوة بتحريرها أولا في ربوع النيل، واحتدم الجدال بين الأنصار والخصوم، فكانت معركة طاحنة تردد صداها في ربوع العراق، فنهض الرصافي والزهاوي للمطالبة بحق الفتاة، وتصديا للهجوم العنيف بما يملكان من بيان، فكانت المقالات الضافية، والقصائد الرنانة، تعبر عن آرائهما الجديدة في جرأة وعنف، وواصل الرصافي جهوده، فتألب عليه الجمهور، وتعقبه الحاكم التركي في غدوه ورواحه، وهو لا يفتأ يناضل عن حق اعتقده ويقوض أركاناً عتيدة يراها غير صالحة للبقاء!
كان قاسم أمين في مصر صاحب الرأي الأول في حركته التحريرية، وكان الشعراء