للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمثقفون يسيرون وراءه في كثير من التحفظ والاحتياط، أما في العراق فقد كان معروف وجميل يقومان بعبء قاسم في حماسة يصل بها إلى الثوار والاندفاع، ومن هنا كانت مكانتهما الاجتماعية في بغداد أقوى من مكانة شوقي وحافظ ومطران في مصر، والفرق بين هذين وهؤلاء فرق ما بين الخطيب والمصفقين مع التسامح اليسير!!

على أن الرصافي كان في دعوته يعدد أساليبه الشعرية، فلم يسر على نمط واحد في قوافيه، فتارة يعمد إلى العاطفة، فيرسم لك صورة قاتمة لبائسة جاهلة، قضت عمرها سجينة مغلولة، حُرّم عليها العلم فهو أرفع من أن يهبط إلى مستواها الوضيع، وأذلها الفقر فهي تئن تحت براثن الجوع، ثم ضرب حولها الحصار المنيع فهي لا تسعى إلى طلب القوت. ويتساءل بعد ذلك: في أي طريق تسير؟ والعيون راصدة، والفاقة قاتلة، اسمعه يقول

لم أر بين الناس ذا ظلمة ... أحق بالرحمة من مسلمه

منقوصة حتى بميراثها ... محجوبة حتى عن المكرمه

قد جعلوا الجهل صوانا لها ... من كل ما يدعو إلى المأثمه

والعلم أعلى رتبة عندهم ... من أن تلقاه وأن تعلمه

ما تصنع المرأة محبوسة ... في بيتها إن أصبحت معدمه؟

ضاقت بها العيشة إذ دونها ... سدت جميع الطرق المعلمه

كم في بيوت القوم من حرة ... تبكي من البؤس بعيني أمه

قد لوحت نار الطوى وجهها ... وأعمل الفقر بها ميسمه

عاب عليها قومها ضلة ... أن تكسب القوت وأن تطعمه

من أي وجه تبتغي كسبها ... وطرقها بالجهل مستبهمة؟

وتارة يعمد الشاعر إلى الأدلة الخطابية، فيسهل الغاية، ويتفادى العاقبة حيث يستغني بالحياء عن الحجاب، وبالتهذيب والدراسة عن اللثام، ثم يغضب أن يكون رجالنا ذئابا متنمرة، ونساؤنا نعاجا مستكينة، ويقيم البرهان على تأخر الشرق بتأخر فتياته، فهن جزؤه المفلوح، ونصفه الأشل، فكيف يضمن البقاء على حاله بدون تناسب، والقاعدة غير ذلك؟ إنه يقول:

شرف المليحة أن تكون أديبة ... وحجابها في الناس أن تتهذبا

<<  <  ج:
ص:  >  >>