والوجه إن كان الحياء نقابه ... أغنى الفتاة الحي أن تتنقبا
واللؤم أجمع أن تكون نساؤنا ... مثل النعاج وأن تكون الأذؤبا
والشرق ليس بناهض إلا إذا ... أدنى الرجال من النساء وقربا
فإذا ادعيت تقدما لرجاله ... جاء التأخر للنساء مكذبا
من أين ينهض قائماً من نصفه ... يشكو السقام بفالح متوصبا
كيف البقاء له بدون تناسب ... والدهر خصص بالبقاء الأنسبا
ولا ينسى الشاعر في دعوته التحريرية ضغنه على المستعمرين، فهو يرجع التوغل الاحتلالي إلى الأمهات وحدهن، حيث كن إماء جاهلات، فلم ينشئن أولادهن على العزة والكرامة، فهانت نفوسهم، وتحملوا جور الدخيل وتعسف الغريب، وكأنه أصطاد عصفورين بحجر واحد حين قال:
أضافوا عليهن الفضاء كأنما ... يغارون من نور به وهواء
ولو أنهم أبقوا لهن كرامة ... لكانوا بما أبقوا من الكرماء
ألم ترهم أمسوا عبيداً لأنهم ... على الذل شبوا في حجور إماء
وهان عليهم حين هانت نفوسهم ... تحمل جور الساسة الغرباء
وقد اشتهرت قصيدة معروف الرصافي التائية شهرة واسعة فتناقلتها الصحف المختلفة، وسجلتها الكتب المدرسية مرات عديدة، لأن ناظمها واضح صريح، يذكر حجج الخصوم ويدفعها بالمنطق العقلي، والدليل التاريخي. ولأمر ما تذكرني هذه القصيدة الرائعة بأخت لها ن؟ مها حافظ رحمه الله في موضوعها الهام، وكان لها من الشهرة ما لقصيدة الرصافي، ولكن روح معروف أكثر اتقادا، وتفكيره أوسع أفقا، وإن اجتمعا معا في السلاسة والعذوبة. وكلا الشاعرين قد بدأ موضوعه بالدعوة إلى الفضيلة، والتمدح بمكارم الأخلاق، فقال الرصافي
هي الأخلاق تنبت كالنبات ... إذا سقيت بماء المكرمات
تقوم إذا تعهدها المربي ... على ساق الفضيلة مثمرات
وتسمو للمكارم باتساق ... كما اتسقت أنابيب القناة
وتنعش من صميم المجد روحاً ... بأزهار لها متضوعات