[وديعة مدينة سالم]
(اقترح صديقنا الدكتور عبد الوهاب عزام في العدد الممتاز
من الرسالة على شعراء العربية أن ينظموا ملحمة البطولة من
حياة المنصور بن أبي عامر، وهذه محاولة أولى تقتطف منها
هذه الأبيات):
قل للحجيج، إذا ما ناله التعب ... يا أيها الركب: هل أديت ما يجب؟
وهل إلى (سالم) خبَّتْ ركائبكم ... وهل هداكم إليها المجد والحسب؟
وهل رأيتم على آثارها (جدثا) ... تطوف من حوله الأفلاك والشهب؟
هذى الحجارة - وهي الآن جامدة - ... كم ذا تفجَّر منها السلم والحَربَ
استخبروها حديث المج تخبركم ... فرُبَّ أخرسَ تَعْيا دونَه الخُطَبُ
قولوا لها: يا بنات الصخر ما صنعت ... بصفحتيك بنات الدهر، والنُّوَبُ؟!
هيا صلينا بآباء لنا نُجُبٍ ... قد أنجبتهم جدود سادة نُجُبُ
مًدُّو على البحر ظلاً من مراكبهم. . ... والنصر من فوقهم قد قاد ما ركبوا
حتى أتوا شاطئ الأسبان واختلطت ... على رباه رماح القوم والقُضُبُ
فأشعلوا البحر ناراً من سفائنهم ... كيلا يكون لهم من خلفهم سبب
وأصبحوا ولواء النصر مُنْعَقِدٌ ... من فوقهم، والمنى حولهم طُنُبُ
حتى إذا أرخت النعماءُ ساعدهم ... واستنوقوا ما يشاء اللهو والطرب
ذابت مهابتهم من عين واترهم ... كما يذوب بكأس الشارب الحبَبُ
لولا (محمدُ) وافاها على عَجَلٍ ... والريحُ عاتية، والموجُ يضطرب
لغيَّر الريح مجراها، ولارتطمت ... ألواحها بصخور شادها العطب
فتى كبير الأماني من حداثته ... قد كان يحلم بالعليا، ويرتقب
خمسون وقعة قاد الجيوش بها ... مُظَفَّراً، فائزاً، للنصر يصطحب
لم يثنه عن لقا أعدائه مرض ... ولم يثبَّطْهُ عن نَيْلِ العُلا نَصَبُ
قد يخمد الجسمُ من كْدٍ ومن تعبٍ ... وجمرة الروح تبقى فيه تلتهب