قال الإمام الشافعي: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به
وقال الأمام أحمد: ليس في أهل مصر أصح حديثاً من الليث
عَلَم شامخ من أعلام الإسلام، وإمام من أئمة الدين، وأحد أفراد الدنيا علماً وذكاء، ونُبلاً ورفعة، وسخاء وكرماً؛ أجمعوا على أنه عَدْل مالك في الفقه، ونظيره في الاجتهاد، وانه لمصر مثل مالك للمدينة لا يفتي ومالك في المدينة، ولا يفتي والليث في مصر وهو بعد أعظم جاهاً من مالك، وأكثر مالاً وأسخى يداً، وأجزل عطاء. . . بَيْد أن الله قيض لمالك من دون علمه، وكتب مساءله، وحرر مذهبه، فعاش ونما واتسع، وكثر أتباعه ومقلدوه، واندثر مذهب الليث ونُسي اسمه فلا يذكره إلا المشتغلون بالرواية الإسلامية، المنقطعون لدراستها، العاكفون على كتبها. . . .
وما مثل الليث بالذي يُنسى، وان كان الليث أنكرة في الرجال، ولئن أنكره اليوم بعض الشباب أو جهلوا قدره، أو شغلهم عنه وعن أمثاله (أندره جيد) وهذا الآخر. . . (بول فاليري) فلقد عرف له الأولون فضله وعلمه، وسموه ورفعته. فعاش رئيساً في العلماء، مقدماً عند الخلفاء، مطاعاً عند الولاة، مبجلاً عند الخاصة، موقراً عند العامة، وازدحمت عليه النعم، وأقبلت عليه الخيرات، ودنت منه الأماني، فأوتي العلم والعقل والصحة والمال والسيادة والجاه، وأوتي مع هذا كله نفساً أكبر من هذا كله، فما التفتت إليه، ولا تمسكت به، ولا شغلها عن دينها وتقواها. مالت إليه الدنيا فمال عنها، ومنح من كل نعمة أوفاها فما قصر في شكر، ولا زهد في أجر؛ وكان سيد مصر، أمرُه قبل أمر الولاة، وحكمه فوق حكم القضاة، فما اقتنص بذلك دنيا، ولا غُمض عليه في بطن ولا فرج؛ وكان دخله بين عشرين وثمانين ألف دينار في العام، فما كنز بيضاء ولا صفراء، ولا منعها فقيراً، ولا أمسكها عن ذي حاجة، فأطبق العلماء على إجلاله، واتفق المصنفون على الثناء عليه، وعقدت القلوب على حبه، وأجمع الناس على احترامه