كان في استقالة شريف معنى الغضب، ولكنه لم يكن غضب فرد لشخصه فحسب وإلا لما كان له ما كان من خطر، كان غضب رجل لشخصه ولقوميته معاً أمام لجنة من الأجانب تريد أن تظهر بمظهر السيادة، وتحرص أشد الحرص على ذلك المظهر، ولذلك كان ذلك الغضب ثورة؛ وما لبثت تلك الثورة أن بعثت في كل نفس من نفوس الأحرار ثورة مثلها، وبذلك تهيأت البلاد لأن تثبت أمام الأجانب وجودها، واغتدى شريف بما فعل رجلها ورأس أبطالها
ورب قائل يقول وماذا كان في ذلك الموقف من معاني البطولة؟ هذا رجل اعتزل منصبه فكيف يكون الابتعاد عن الميدان رجولة؟ ولكن الذين يعلمون مبلغ ما وصل إليه نفوذ الأجانب يومئذ، ومبلغ ما مني به المصريون من خور، وما عرف عنهم من الحرص على المناصب الحكومية، يدركون ما ينطوي عليه موقف شريف من عزة وتضحية. هذا إلى ما سبق الاستقالة من تحد للجنة وسلطانها. ولو أن الخديو آزر شريف يومئذ لما ترك منصبه تاركاً اللجنة بذلك في أحرج المواقف ممعناً في عصيانه وترفعه. . . ولكن الخديو على جلال قدره طلب إلى اللجنة في لهجة تشبه الرجاء أن تكتفي من شريف أن يرد على أسئلتها كتابة. ولما رفضت اللجنة ذلك لم يرد الخديو عليها بعمل أو بقول يكون فيه معنى التأييد لرجله والاستنكار لفعل الأجانب، ومعنى ذلك أنه لم يبق أمام شريف إلا أن يتخذ من استقالته مظهراً من مظاهر الاحتجاج على تدخل الأجانب في شؤون البلاد، فكان ذلك المظهر أول نذر الثورة. . .
أخذت لجنة التحقيق العامة تدرس الحالة. ولقد جعلت اللجنة هدفها بطبيعة الحال العمل الصالح للدائنين، ولذلك فلم تأل جهداً في أن ترجع بكل المساوئ إلى الخديو وحكومة