الخديو متناسية ما فعله الدائنون من مخاطراتهم بأموالهم ابتغاء الربح الوفير وما جره جشعهم على البلاد من دمار، وما انطوى عليه مكرهم من غدر وبهتان وزور واختلاس.
تعامت اللجنة عما كان يقاسيه الفلاحون يومئذ من شقاء، ولم تراع في تقريرها بؤس أولئك الذين أثقلتهم الضرائب وهدهم الجوع، أولئك المساكين الذين كانوا كثيراً ما يفرون من أرضهم لكثرة ما كان يطلب منهم، أولئك الذين غمرهم في سنة من تلك السنين السود سيل جارف لم يكن أقل هولاً عليهم من سيل الضرائب، ألا وهو فيضان النهر على قراهم وأراضيهم، أولئك الذين أحاط بهم المرابون والأمراض معاً وباتوا يتمنون الموت من قبل أن يلقوه
وتغافلت اللجنة عن أولئك الأجانب الذين كانوا يهربون بضائعهم وينجون بها من الجمارك ثم لا يدفعون عنها شيئاً داخل البلاد في ظل تلك الامتيازات المشؤومة التي كانت من أكبر المساوئ التي منيت بها مصر والتي قل أن يجد المؤرخ مثيلاً لها فيما كانت تتضمنه من الجور، وما كانت تقوم عليه من الباطل والبهتان؛ وكذلك تغافلت اللجنة عن أولئك الأجانب الذين تزايد عددهم في الحكومة المصرية، والذين كانوا يتقاضون الأجور العالية جزاء على ما اتصفوا به من الكسل وقلة المروءة وجمود العاطفة؛ بينما كانت مرتبات الوطنيين لا تدفع لهم إلا في مشقة وعناء وهي من القلة بحيث كانت تحفز الكثيرين إلى الاختلاس والتهاون في العمل.
واقترحت اللجنة في قرار تمهيدي أن يتنازل الخديو عن سلطته المطلقة إلى وزراء مسؤولين، وإن ينزل عن أملاكه في نظير مرتب معين، وكذلك تنزل أسرته عن أملاكها. . . كل ذلك دون أن تفكر اللجنة في أن يتنازل الدائنون عن شيء من ديونهم وهي تعلم كيف تراكمت تلك الديون وكيف تزايدت أرباحها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه
وقبل الخديو تأليف الوزارة المسؤولة فاستدعى نوبار من أوربا وعهد إليه تأليف وزارة يتضامن أعضاؤها في التبعة وتقوم بالحكم في البلاد، ونظر المصريون فإذا وزارة المالية تسند إلى رجل إنكليزي، وإذا وزارة الأشغال تسند إلى رجل فرنسي، وهكذا سيطر الأجانب على مصر سيطرة تامة!
ومن غريب أمر هذه الوزارة أنها بينما كانت تسمى (وزارة مسؤولة) لم يكن لمجلس