شورى النواب حق إسقاطها بل لم يكن له حق محاسبتها، ولم يك للخديو سلطان عليها، ومع ذلك كانت تلقب بذلك اللقب! فليت شعري كيف كانت مسؤولة ومن كان إليه يرجع الأمر يومئذ؟
كان الوزيران الأجنبيان هما صاحبي السلطان الحقيقي في البلاد، فلئن كانت ثمة مسؤولية على نوبار ومن معه من الوزراء المصريين فأمام الأجانب كانت تلك المسؤولية، وعلى ذلك فمن هذه الوجهة يصح تسمية تلك الوزارة بما سميت به، أما أن تعتبر وزارة مسؤولة كالوزارات التي يكون للشعوب حق محاسبتها وإسقاطها من مناصبها فتلك سخرية من سخريات الأجانب كانت في ذاتها من أبلغ نكاياتهم يومئذ بالبلاد وأهل البلاد
ولكن شريفاً كان عضواً في تلك الوزارة، أسندت إليه وزارة الحربية، وحل محله رياض في الداخلية. ولنا أن نتساءل كيف قبل شريف أن ينضم إلى تلك الوزارة؟ والذي نستطيع أن نستخلصه من حوادث ذلك العهد وملابساته أنه فعل ذلك على الأرجح لأن الخديو كان يرى فيه يومئذ الرجل الذي يستطيع بما أوتي من شجاعة وثقافة أن يراقب أعمال نوبار ومن معه من الأجانب، وفي هذا من الغض من شخصه ما لم يكن يسعه السكوت عليه
على أن شريفاً على رغم ثقة الخديو به وإيثاره إياه بالمحبة كان يكره استبداد الخديو بالأمر بقدر كراهته لنفوذ الأجانب، وكان يضمر ذلك في نفسه حتى تحين الفرصة كما سيظهر من أعماله عما قريب
وسرعان ما دب الخلاف بين الخديو ووزرائه أو على الأصح بينه وبين نوبار والعضوين الأجنبيين، فلقد كان في الوزارة رجال غير شريف يدينون بالولاء لحاكم البلاد الأعلى ومن هؤلاء علي مبارك ورياض. . . وتزايد هذا الخلاف حتى أصبح إسماعيل ولا هم له إلا أن يتخلص من تلك الوزارة التي لم تترك له من السلطة إلا اسمها
وسنحت له الفرصة في حادث مظاهرة الضباط، فإن نفراً من الضباط الذين استغنى عنهم عملاً بسياسة الاقتصاد قد تجمهروا أمام وزارة المالية واعتدوا على نوبار والعضو الإنكليزي السير ريفرزولسن، وكادوا يلحقون بهما الضرر البالغ لولا أن شخص الخديو بنفسه وفرق المتظاهرين. . . وأعلن إسماعيل على أثر ذلك أنه غير مسؤول عن شيء في البلاد ما دام محروماً من السلطان ومن ثم رأى نوبار أنه لا قبل له بمواجهة الحال بعد ذلك