للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فرفع إلى الخديو استقالته، وبذلك تخلص الخديو وتخلصت البلاد من تلك الوزارة التي اعتاد الناس أن يسموها الوزارة الأوربية

وإنا لا نستطيع أن نمر بحادث الضباط هذا دون أن نشير إليه ولو في أيجاز، فنقول إن هذا الحادث كان أول خطوة في الحركة العسكرية التي سوف تكبر حتى تكون الجانب العسكري في الثورة العرابية، ذلك الجانب الذي سوف يفسد على الثورة مبادئها ويميل بها عن وجهتها ويكون في النهاية سبب فشلها وتحويلها إلى كارثة تجرف البلاد إلى هوة بعيدة القرار. . ذلك الجانب الذي كان له بسيرة شريف صلة وثيقة، فلسوف نرى أنه لا تطوف العرابيين وشططهم لسار شريف بالبلاد سيراً كان يصل بها بلا شك إلى غاية لو أنها أتيحت لها لتغير بها تاريخها واتجه وجهة غير التي سيق إليها

وكانت تولد بالبلاد يومئذ حركة وطنية قوية، حركة سوف تلتقي فيما بعد بالحركة العسكرية فيتألف من التيارين تلك الثورة التي تعمد كثير من المؤرخين تشويهها والتي أخطأ فهمها عدد منهم ليس بالقليل حتى تبينت آخر الأمر على حقيقتها. . .

وكان لتلك الحركة الوليدة مركزان أولهما المركز الرسمي وهو مجلس شورى النواب، وثانيهما المركز الأهلي وهو بيت البكري حيث كان يلتقي الأحرار من العلماء والنواب والأعيان. . وبهذين المركزين كان شريف دائم الاتصال لا يسهو ولا تفتر له همة

كان شريف دائم الصلة بالنواب أن جاز أن نسمي أعضاء المجلس على حالتهم هذه نواباً؛ وكان يتمنى أن يتخذ منهم قوة يناوئ بها الأجانب ويحد من سلطان الخديو، ولن يتم ذلك فيما يرى إلا أن يكون الوزراء مسؤولين أمام هذا المجلس كما هو الحال في المجالس الأوربية التي تسير على القواعد الدستورية. ولقد بذل شريف جهداً محموداً في إنشاء هذا المجلس وظل يتعهده بنصحه ورعايته، وأنه ليأمل أن يتطور مع الزمن حتى يصبح هيئة لها مكانها في النظام الحكومي في مصر

وكان شريف يرقب حركة هؤلاء الأحرار من الرجال الذين كانوا يجتمعون في بيت البكري، وكان لا يفتأ ينصح لهم ويشير عليهم بما يعملون، وإن له بينهم لمكانة تجعله مناط آمالهم ومعقد رجائهم، وما أشبه تلك الظروف بظروف مصر غداة الهدنة التي انتهت بها الحرب العظمى يوم كان الرجال يجتمعون خفية يفكرون في مصير بلادهم ويتجهون

<<  <  ج:
ص:  >  >>