[٥ - شاعرنا العالمي أبو العتاهية]
للأستاذ عبد المتعال الصعيدي
وكان أبو العتاهية في عهد المهدي يلازم ابنه هارون، وكان ابنه وولي عهده موسى الهادي يجد على أبي العتاهية لملازمته أخاه، فلما ولي العهد الهادي بعد المهدي أراد أن يقصيه عن أخيه هارون فلم يطعه، ثم أمره أن يخرج معه إلى الري فأبى ذلك، ولكنه لم يلبث أن خافه وتهيب بطشه به، وكانت الملوك في عهده لا تحتمل مثل هذا النوع من المخالفة، والاعتداد بالكرامة النفسية، والمحافظة على العهد في حالتي الأمن والخوف، فقال يستعطفه:
ألا شافع عند الخليفة يشفع ... فيدفع عنا شر ما يُتَوَقَّعُ
وإني على عظم الرجاء لخائف ... كأني على راس الأسنة تشرع
يرَوَّعني موسى على غير عثرة ... ومالي أرى موسى من العفو أوسع
وما آمنُ يمسي ويصبح عائداً ... بعفو أمير المؤمنين يرَوعُ
وإنك لترى أبا العتاهية لا ينزل في هذا الاستعطاف إلى الاستخذاء والخنوع، ونسيان الكرامة وعزة النفس، فلا يقول في ذلك ما قال النابغة الذبياني قبله للنعمان بن المنذر:
فإن أك مظلوماً فعبد ظلمتَهُ ... وإن تك ذا عتبى فمثلك يُعتِبوا
بل يقول له هذا القول (يروعني موسى على غير عثرة)، فينصف نفسه في هذا الموقف الذي تجحد فيه النفوس، ولا يرى حقاً للهادي في ترويعه على غير ذنب جناه، كما يرى النابغة للنعمان أن يظلمه لأنه عبده.
وقد روى صاحب الأغاني بعد ذلك أنه ولد الهادي ولد في أول يوم ولي الخلافة، فدخل أبو العتاهية فأنشده:
اكثر موسى غيْظَ حساده ... وزين الأرض بأولاده
وجاءنا من صلبه سيد ... أصْيدُ في تقطيع أجداده
فاكتست الأرض به بهجة ... واستبشر المُلْكُ بميلاده
وابتسم المنبر عن فرحة ... علت بها ذروة أعواده
كأنني بعد قليل به ... بين مواليه وقواده