مبدأ التعليم العام حديث العهد وليد الديمقراطية في نظم الحكم الحديثة، إذا اقتضت الديمقراطية المساواة بين جميع أفراد الأمة في الفرصة التي تتاح لهم لتقويم طباعهم واستثمار مواهبهم؛ ففي نصف القرن الأخير جعلت مرحلة التعليم الأولى في دول الغرب الراقية عامة إجبارية مجانية، لينال كل فرد حظاً من التعليم، وعاونت الحكومات ذوي المواهب من أبناء الطبقة الفقيرة على المضي إلى غايات التعليم دون أن يكون فقرهم عائقاً لهم عن ذلك، وبذا انتشر النور وأطلقت المواهب التي كانت من قبل معقولة
على أن التعليم العام لم يخل انتشاره من مساوئ: من ذاك أن معظم أبناء الطبقة السفلى يغادرون المدرسة تواً عقبة إنهاء مرحلة الدراسة الأولى ويعودون إلى مزاولة مهن آبائهم وينسون ما تعلموه في المدارس إلا النزر اليسير الذي لا يساعدهم إلا على قراءة غث الكتب وفارغ القصص؛ ومن ثم انتشر الأدب الرخيص وطغى على الأدب العالي، وتدلت الصحف، وكثر الكتاب المرتزقون الذين لا يتوخون سوى إرضاء تلك العقلية المنحطة، وقد آذى هذا الأدب المنحط الثقافة الرفيعة: إذ اجتذب غير قليل من المتعلمين تعلماً راقياً، لأن من طبيعة الإنسان أن يؤثر الهين من الأبحاث على الصعب منها، إلا أن يكون له وازع من نفسه شديد يقسره على التسامي عن الفضول؛ وما من وسيلة من وسائل التثقيف الحديثة كالراديو والسينما والمحاضرات إلا أسئ استعمالها كما أسئ استعمال الكتابة إرضاءً لفضول أشباه المتعلمين، وكانت النتيجة أن التعليم العام حين رفع مستوى الطبقة السفلى درجة هبط بعقلية الطبقة العليا مثلها
على أننا إذا فرضنا أن التعليم العام كان خيراً كله في بلاد الغرب التي سبقتنا إليه فهل هو كذلك في مصر؟ لقد أخذنا مبدأ التعليم العام فيما أخذنا عن أمم الغرب؟ وقلنا: ما دمنا نطلب الديمقراطية في السياسة والحكم فلابد من اتباعها في التعليم؟ وما دمنا نريد النهوض ببلادنا فلننشر فيها العلم لننقيها من خرافات الجهل وجموده، وأغرقنا وتسرعنا في تطبيق ذلك المبدأ شأننا في كل ما ننقل عن الغربيين: فأنشأنا عشرات المدارس وزججنا الناشئين من