للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

من أقاصيص الجاهلية

٣ - حرب البسوس

بقلم اليوزباشي أحمد الطاهر

تتمة

كان للناس عجباً أن اعتزل الحرب الحرثُ بن عباد والفند الزماني، وامتزج العجب بالحسرة حين انحازت إليهما عشائرهما. ولكنهما والعشائر قوم جنحوا للسام، وأرادوا أن يأخذوا الأمور بالرفق والحلم، وعز عليهم أن تطير بالقوم عنقاء، وأن تراق هذه الدماء، في مقتل ناقة عجفاء

جلس الحرث بن عباد يوماً على شرف من الأرض واجتمع الناس حوله يقصون عليه من أنباء القتال ما أمضه وزاد في حسرته. واندفع الحرث في اللوم والتثريب: يعيب على بكر ما فهل فتاها من قتل كليب يناب من الإبل وما جرت فعلته النكراء من كرب وبلاء. قال له الفند الزماني: (إنك يا حرث قد أسرفت في اللوم والتثريب، أما ترثى لهذا الشيخ مرة بن ذهل وقد توالت عليه المصائب وتزاحمت عليه النوائب، وكانت أخراها قتلى ابنه همام الذي ضن به يوم عرض الفدية. وأنت تعلم مكان همام من قومه وعشيرته! لشد ما يحزنني قتل هذا الفتى. لشد ما يحزنني قعودنا على نصرة بكر وقد أسرف المهلهل في النكال. وهالني ما يتندر به القوم علينا في مجالسهم ومجامعهم: قال قوم: إننا جبناء، وقال آخرون: إننا ضعفاء الرأي قليلو الحيلة، وقال آخرون إننا أذلاء نتملق تغلب ونصطنع عندهم يداً بعقودنا عن مناجزتهم. وحسبنا بها فرية تحط من كرامتنا وتضع من عزتنا. فهل أنت على رأيك مقيم؟)

قال الحرث: (أما مرة بن ذهل فلقد والله عز على مصابه في ولده ما يحز قلبي إلا مرآه مضرجاً بدمه وموقف المهلهل منه بظهر الأسى ويخفي الشماتة. ولكنك تعلم أن من دخل الحرب لم يأمن عواديها، وأن من نصب نفسه للقتال فقد استهدف للموت. وإن في ضن الرجل بفتاه يوم الفداء وبذله يقتل بسيف الأعداء شرفاً لا يطاوله شرف وفخاراً لا يتسامى

<<  <  ج:
ص:  >  >>